بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :
فإن الله سبحانه وتعالى فطر النفس البشرية على حب التغيير فلو استقرت على حال واحد لملت ولسئمت ، فلما خلق الليل جعل بعده نهاراً، ولما خلق الشتاء جعل بعده صيفاً، وجعل بعد الضيق مخرجاً، وبعد العسر يسراً، وبعد المرض عافية... وهكذا ،فإن الذي فطر البشر عالم بما يصلحهم وبما يسعدهم، لذلك نرى أن شريعتنا الغرى تحتوي على نظام تغيير شامل في جميع مراحل الحياة، ودائماً ونحن في ظل الإسلام نتمتع بهذا التغيير، فلو تأملنا في البرنامج اليومي للمسلمين نجد أن أوقات الصلاة لها ثأثير عجيب في حالة الإنسان فمهما كان مشغولاً أو منكباً على أمر ما فهو مجبر على تغيير هذا الوضع الذي هو فيه لبضع دقائق ومكلف بالقيام لغسل أطرافه وأداء فريضته، وبغض النظر عما في الوضوء والصلاة من أسرار علمية وفوائد عجيبة عرفت أو لم تعرف إلا أن هذا التغيير الإجباري للمسلم يجعله يستعيد نشاطه ويلم شعثه وكأنه خرج من الدنيا لحظات ثم عاد إليها طيب النفس مرتاح البال ، كما أن أداء الصلاة ليس على نمط واحد فليست ركوعاً فقط ولا سجوداً فقط بل روعي نظام التغيير حتى في الصلاة فهي تؤدى بقيام وركوع وسجود وجلوس وتغيرت فيها الأذكار فلو كانت على نمط واحد لكانت مملة، إذاً فالصلوات المكتوبة تفرض على المسلم تغييراً إيجابياً في أي حال كان وتعود عليه بمنافع جليلة، ثم إذا خرجنا عن نطاق الأيام إلى الأسابيع نجد في الاسبوع يوم مختلف عن بقية الأيام وفرضت فيه أمور وسنت فيه أمور أخرى لم تفرض ولم تسن في غيره ألا وهو اليوم الأزهر يوم الجمعة عيد الأسبوع، فعندما يأتي يوم الجمعة بما فيه من تغييرات نشعر وكأنه نقطة فاصلة بين أيام الأسبوع، فأغلب ما فيه يكون مختلف عن بقية الأيام فيأتي اليوم الذي بعده وقد استعدنا فيه نشاطنا وتجددت روحانيتنا، فما أجمل هذا التغيير لا شك بأنه هدية من الله لنا، أما على نطاق الشهور فحدث ولا حرج فإن الشهور تمر متشابهه إلى أن يأتي الشهر الحبيب الشهر الذي ينتظره كل مسلم بفارغ الصبر، شهر تتجدد فيه الأرواح وتنتعش فيه القلوب وتقوى به العلاقة بين العباد وربهم، شهر يتغير فيه نظام الحياة تغييراً إيجابياً نحتاج إليه أمس الحاجة لأن النفس إذا عاشت على نمط واحد لفترة طويلة تضيق وتضجر، لكن شهر رمضان يأتي فتتروح فيه النفوس وتسعد فيه القلوب...بربكم السنا بحاجة ماسة إلى هذا التغيير الإلهي الفرضي، الله سبحانه وتعالى لم يفرض علينا شيء إلا لأن هذا الشيء عائد علينا بالنفع والفائدة الكبيرة ، وهناك ملحوظة رائعة أيضاَ تأملوها وهي : كيف إذا كان أول يوم في شوال يوماً عادياً بعد أن تغير نمط الحياة في رمضان تغييراً جذرياً من نواحي الحياة المختلفة في الأكل والنوم والخروج وغيرها.... إذا كان كذلك فسيكون أصعب يوم في الحياة لأن فراق شهر رمضان صعب جداً عند النفوس المؤمنة والتي ذاقت حلاوته، لذلك فإن من كرم الله سبحانه أن جعل هذا اليوم عيداً يتغير فيه روتين الحياة تغييراً لطيفاً تبتهج فيه النفوس وتسعد فيه الأرواح ويتلاقى فيه الأحباب والأقراب بعد أن أنعزلوا عن بعظهم لفترة وجيزة جعلوها لربهم، فيصبح كأنه نقطة فاصلة تنقلنا من التغيير الذي حدث في رمضان وتعيدنا إلى ما كنا عليه قبل رمضان وكأنا ولدنا من جديد وكأن عمراً جديداً بدأناه بعد رمضان والعيد ، فهل هناك تغيير أروع من هذا فما أجمل الإسلام وما أجمل شريعتنا، وما أروع نظامنا. فلله الحمد والمنة ،
أسأله سبحانه أن يجعل قلوبنا مسروة دائماً في ظل الإسلام وأن يحققنا بحقائق العبادة .
والحمد لله رب العالمين .