لمســة الخــيـر
أهل الخير هم الذين يمتلكون حساً مُرهفاً وقلوباً رقيقة وضمائر حية ومشاعر دافئة وأيدي معطاءة وتفانٍ في خدمة الناس ومد يد العون والمساعدة ، ولهم بصمات واضحة على مَن حولهم ؟ .
فعن إبن عمر رضي الله عنه قال : إنَ رجلاً جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أيُ الناس أحبُ الى الله تعالى ؟ وأيُ الإعمال أحبُ الى الله تعالى ؟ .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحبُ الناس الى الله تعالى أنفعهم للناس ،وأحبُ الأعمال إلى الله تعالى سرور تُدخله على مسلم أو تكشف عنه كُربة أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً ولأن أمشي مع أخٍ في حاجة أحبُ إليَ من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً " . أخرجه الطبراني
لمسات إنسانية وخيِرة يعلمها نبينا صلى الله عليه وسلم لأمته بأن أحب العباد إلى الخالق الكريم ليس كثرة صلاة وقيام أو تلاوة ذكر وقيام إنما مَن نفع الناس وعمَ نفعه جميع البشر وكذلك الاعمال أيضاً أحبها الى الباري عزَ وجل هي أعمال يسيرة بإستطاعة أي إمرىءٍ فعلها وأخذ ألاجر العظيم .
فديننا هو دين تواصل وتفاعل مع الحياة وتكامل مع الآخر وإصلاح وليس هو دين عزلة وجمود وأنانية ،فمنذ اللحظة الاولى وهو يستنهض الهمم لتأخذ دورها في الحياة من أجل إعمار الارض وإصلاحها مع إتصال القلب بالله تعالى ليمده بالتوفيق والسداد ويتجاوز عقبات الدنيا إلى درجات الجنان .
فإلانسان كائن إجتماعي لا يستطيع العيش منفرداً ومنعزلاً بل هو مدنيُ الطبع تقتله الوحدة وتُؤنسه الجمعة والإلفة ومن هنا نُدرك سره ونكشف كنهه وتُفك شفرته .
وعندما خالط الإنسان بني جنسه تراه يتخبط بضلاله ويتبجَح برعونته وتسيطر عليه جاهليته إذا لم تحكمه وتربط تصرفاته شريعة الله عزَ وجل .
فقد كان العرب قبل الإسلام تحكمهم الجاهلية بنعرتها الطائفية وتغلب عليهم العنصرية البغيضة العمياء حتى أن شعارهم سابقاً اُنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، فجاء الاسلام وربط القلوب وهذَب الانفس ووسَع الافق وعدَل في شعارهم بنصرة الظالم أي أن تحجزه عن الظلم وتوفقه عند حدِه وتُرشده على الصواب فينتصر على نفسه .
ففي كتاب الله تعالى نجد أن الباري عزَ وجل يذكرنا بقوله : " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " . المائدة -2
فالتعاون على الخير في نشر الحق والخير والنور وإبطال الباطل ودحر الكفر ومحو الجهل وإبطال الجور سعى إليه النبي صلى الله عليه وسلم ونادى بأعلى صوته في مكة المكرمة ولهج بها سنياً ينادي بها الغيارى وأصحاب المروءات فيقول :
" مَن يُؤويني ؟ مَن ينصرني ؟ حتى اُبلغ رسالة ربي وله الجنة " . رواه أحمد
صورة الأشعريين الوضيئة المشرقة التي يتهوج ضياؤها في شدِة العُسرة والضيق والعوز والبؤس حينما نجد رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يُبارك عليها ويمتدح فاعليها ،حيث يتقاسم الأشعريون الغالي والنفيس بدءاً من جواهر الذهب إلى كسرة الخبز ،فعن أبي موسى الاشعري أنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قلَ طعام عيالهم في المدينة جمعوا ما كان منهم في ثوب واحد ثم إقتسموه بينهم في إناء واحد بالسَوية منِي وأنا منهم " . رواه البخاري
ففي هذا الحديث تلحظ صورة التفاني والإيثار والمساواة تكاد تُعد في زماننا اليوم ضرباً من الخيال بسب طيغان المادة وبريق الذهب ونعومة الدولار ولكن مشاهد الإيثار والمواسات لا تزال قائمة وتُسطَر بين الحين والحين رغم قلتها .
الإبن البار يُذكِر والده الخليفة العادل : عندما بُويع الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله بالخلافة ألقى خطبة في الناس يُزهِدهم الدنيا ويُرغِبهم في الآخرة فاستقرَت في قلوب سامعيها ثم أراد أن يغفو قليلاً بعد سهره من مراسيم دفن الخليفة السابق سليمان ومراسيم بيعته .
فأنبرى له إبنه البار المُعين له في الحق عبد الملك فقال : أتغفوا قبل أن تردَ المظالم إلى أهلها يا أمير المؤمنين ؟ .
فقال الخليفة : أي بُنيَ إني قد سهرت البارحة في عمك سليمان وإني إذا حان الظهر صلَيت في الناس ورددتُ المظالم إلى أهلها إن شاء الله .
فقال الإبن : ومَن لك يا أمير المؤمنين بأن تعيش إلى الظهر ؟ . فقال الخليفة : اُدنُ منِي بني ،فلما دنا منه ضمَه وقبَله بين عينيه وقال : الحمد لله الذي أخرج من صُلبي من يُعينُني على ديني .
ثم قام وأمر أن يُنادى في الناس : ألا مَن كانت له مظلمة فليرفعها ؟..
كُن مفتاحاً للخير ومغلاقاً للشر ولا تُوحشنَك نُدرتهم وتحلَى باليقين والإيمان لتُعطي صورة حقيقية في نشر الحق والخير
م/ن