التثبيط والتيئيس للآخرين
تاسعاً: من مظاهر السلبية ودنو الهمة ومن صفات الرجل الصفر: التثبيط والتيئيس للآخرين: فإن الرجل الصفر لا يكتفي -كما أسلفت- بعدم المشاركة، بل أصبح قاطع طريق، وعوناً للشيطان وحزبه، فتجده يخلق الأعذار والأسباب، وربما ألبسها الصبغة الشرعية لتبريره لعجزه وعدم مشاركته، وصدق الأحمر النحوي بقوله:
لنا صاحب مولع بالخلاف كثير الخطأ قليل الصواب
ألج لجاجاً من الخنفساء وأزهى إذا ما مشى من غراب
فليس لديه شجاعة الاعتراف بالخطأ والتقصير، وليس -أيضاً- لديه الاستعداد للعمل والمشاركة، ولكنه على أتم استعداد للنقد والتجريح، والثلب والتقبيح، فإلى الله وحده نشكو أمثال هؤلاء، ألا فليتق الله أولئك الإخوة الذين نصبوا أنفسهم مثبطين ومخذلين لإخوانهم، ونصبوا أنفسهم قاطعي طريق للأعمال الخيرية في كل مكان، ولذلك فنحن نقول لأمثالهم: كن عوناً لإخوانك، أو على الأقل اعمل ولو لوحدك، فإن الهدف واحد والغاية واحدة، فإن لم يكن هذا ولا ذاك فما أجمل الصمت (فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت) وإن المثبط لإخوانه ليخشى عليه والله أن يبوء بإثمه وإثم الآخرين، وأذكر هنا بقول الحق عز وجل: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [النحل:25] فلينتبه وليحذر أولئك النفر.
الضعف والفتور
مظهر عاشر وأخير: من مظاهر الرجل الصفر في مثل هذا الواقع: الضعف والفتور أثناء أوقات العافية، أو في مراحل العمل الجاد، فإنك تكاد لا ترى للرجل الصفر نشاطاً ولا تعرف عنه جداً، فإذا ما وقعت مصيبة أو وقعت فتنة أو كان الخلاف، رأيته وأصحابه ينشطون وحول الحرص على الدعوة يتحدثون، وفي التخطيط ومعرفة العمل هم يلهجون، وفي الناس يصنفون ويقسمون، وصدق الشاعر يوم أن قال:
وإخوان عهدتهم دروعا فكانوها ولكن للأعادي
وخلتهم سهاماً راميات فكانوها ولكن في فؤادي
وقالوا: قد صفت منا قلـوب لقد صدقوا ولكن عن ودادي
ولكني أقول كما قال الآخر أيضاً:
عداتي لهم فضل علـيّ ومنـة فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتهـا وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
والوقائع والأحداث والفتن هي التي تميز بين أناس وأناس، فإن لكل من الحق والباطل رجالاً، كما أن الحق يحمله رجال وينافحون عنه، فكذلك الفتن لها رجال يحملونها ويدعون الناس لها، ويتحملون كبرها، ولكن بين حملة الحق والصابرين عليه ودعاة الفتنة جمهور يتنازعهم الخير والشر، ومن هنا ينبغي الحذر من دعاة الفتن ومن يتأثر بهم من الرعاع، وضعاف النفوس وأتباع الهوى، وما أجمل ذلك القول لـعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الذي نقله الشاطبي في كتاب الاعتصام، فقال -أي: علي -: [إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير، والناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق، أف لحامل حق لا بصيرة له، ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة، لا يدري أين الحق، إن قال أخطأ، وإن أخطأ لم يدر، شغوف بما لا يدري حقيقته، فهو فتنة لمن فتن به] إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى ورضي الله تعالى عنه. هذه عشرة مظاهر من مظاهر الرجل الصفر.