السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
( أهم مظاهر السلبية ودنو الهمة ) جزء من محاضرة : ( الرجل الصفر ) للشيخ : ( إبراهيم الدويش )
أهم مظاهر السلبية ودنو الهمة
من أهم مظاهر السلبية ودنو الهمة أو من أهم صفات ذلك الرجل الصفر أو المرأة الصفر:
الخمول والكسل
أولاً: الخمول والكسل: الرجل الصفر أو المرأة الصفر لا يكلف نفسه القيام بشيء، حتى في مصالحه الشخصية، بل ربما في ضروريات حياته كالدراسة أو الوظيفة أو حتى بيته وطلباته، فماذا نقول إذن في حاله مع العبادات والطاعات من قيام ليل، وصلاة وتر، ومن السنن الرواتب، ومن صيام النفل، وقراءة القرآن وغيرها من العبادات ومن النوافل؟ بل انظر لحاله مع الفرائض والتثاقل فيها حتى أصبحت حاله شبيهة بحال المنافقين الذين قال الله عنهم: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء:142].. وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة:54]. فكيف حاله مع قضايا المسلمين والاهتمام بها؟ وكيف يحمل همّ هذا الدين والدعوة إلى الله عز وجل؟ (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، ومن الجبن والبخل) هكذا كان صلى الله عليه وسلم يردد هذا الدعاء علاجاً لهذه الظاهرة.
الرضا بالدون مع القدرة على ما هو أفضل وأحسن
ثانياً: من مظاهر الرجل الصفر: الرضا بالدون مع القدرة على ما هو أفضل وأحسن، قال ابن الجوزي في صيد الخاطر : من علامة كمال العقل علو الهمة، والراضي بالدون دنيء .
ولم أر في عيوب الناس عيبـا كنقص القادرين على التمام
والله أيها الأحبة! إني على ثقة أن في شبابنا وفتياتنا ورجالنا ونسائنا خيراً كثيراً، وأن في وسعهم وطاقاتهم الكثير الكثير، ولكن السلبية تلك الداء العضال -أعاذنا الله وإياكم منها- إن الله يربي المؤمنين على التطلع إلى أعلى المقامات، فيقول سبحانه على لسانهم: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74]. انظر وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74] لم يقل سبحانه وتعالى: واجعلنا من المتقين! ولكنها تربية على الهمة العالية والعزيمة الصادقة وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74]. إن الله عز وجل يريد منك أيها الأخ الحبيب! ويريد منك أيتها المسلمة! أن تكون ذا همة عالية، لا أن تكون من المتقين فقط، بل أن تكون إماماً للمتقين، وأن تكوني إمامة للمتقيات، هكذا يريد الله عز وجل أن يربي هذه النفوس، واسمع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: (إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى) لماذا هذا الأمر؟! (فاسألوه الفردوس الأعلى) لأن المسلم صاحب مبدأ، وهو على الحق فإن عاش عاش عزيزاً، وإن مات مات شهيداً، والله معه مؤيداً وحافظاً، والجنة مستقره وموعده. إذاً: فهو يملك جميع المقومات لأن يكون سيداً على وجه هذه الأرض، وأن يكون إماماً للمتقين، فما الذي يردك أيها الأخ الحبيب؟! ما الذي يردك وأنت على عزة حياً كنت أو ميتاً؟ هكذا يربي الله، وهكذا يربي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه وأمته، أن يسألوا الله الفردوس الأعلى، إن أقصى همة أحدنا إذا ذكرت الجنة أن يسأل الله الجنة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يربي فينا التطلع إلى أعلى المقامات، وعدم الرضا بالأمور الدنية، ولذلك: (إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى) .
التقيد بروتين الحياة وعدم التطلع إلى الجديد
ثالثاً: من مظاهر الرجل الصفر: التقيد بروتين الحياة وعدم التطلع إلى الجديد: اعتاد بعض المسلمين على نمط معين من الحياة ودرج عليه، فيثقل عليه المشاركة، ويصعب عليه العمل، وكلما حدث بأمر كان الرد منه سلباً، حتى أصبح المسكين لا قيمة له ولا ينظر إليه، ولا يسمع لكلمته، ربما مع سعة علمه وعلو مركزه رضي بالدون ورضي برتابة الحياة، حتى ملها هو بنفسه، وأصبح يعيش في هامش الحياة لا معنى له، فكيف تريد من الآخرين أن يحترموك أو يستجيبوا لك أو حتى يسمعوا كلمتك؟ مع ما أوتيت من علم ومن مركز مرموق، فإن الناس ينظرون إلى علو همتك، وينظرون إلى صدق كلمتك، وينظرون إلى عملك يا أيها الأخ الحبيب!. إن بعض الناس إذا مات لا يبكيه أهله ومدينته فقط، بل تبكيه الأمة بكاملها؛ لأن الأمة فقدته، لم يفقده أهله لوحدهم، ولم تفقده مدينته لوحدها، بل فقدته الأمة بكاملها، كل الأمة تبكي عليه، من أجل أي شيء هذا؟ لأن الرجل كان رجلاً ممتازاً، كان رجلاً معطاءً، كان رجلاً عاملاً نشيطاً، وبعض الناس إذا مات بكاه أهله أياماً، وربما قالوا في قرارة أنفسهم: الحمد لله الذي أراحنا منه، فهو كلٌ عليهم، بل ربما ضاقت به نفسه التي بين جنبيه بهمومها وغمومها وقلقها ومرضها ونفسيتها، نفسه ربما ضاقت عليه، لماذا؟ لأنه لا همّ له إلا في شهواته وملذاته؛ فضاقت عليه نفسه، وضاق به أهله، وضاق به أهل مدينته، فكم من رجل وكم من امرأة، يتعوذ الناس من شره ومن شرها.
لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد فذ يموت بموته خلق كثير
وشتان بين هذا وذاك، فإن من الناس من همته في الثرى -أي: في التراب- وإن من الناس من همته في الثريا، ولذلك كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله يردد هذه الأبيات الجميلة، واسمع له أيها المحب! واسمعي له أيتها الأخت الغالية، كان يقول رحمه الله:
إذا ما مات ذو علم وتقـوى فقد ثلمت من الإسلام ثلمه
وموت الحاكم العدل المولـى بحكم الأرض منقصة ونقمه
وموت فتى كثير الجود محل فإن بقاءه خصب ونعمه
وموت العابد القوام ليل يناجي ربه في كل ظلمه
وموت الفارس الضرغام هدم تشهدت له بالنصر عزمه
فحسبك خمسة يبكى عليهـم وباقي الناس تخفيف ورحمه
وباقي الخلق هم همج رعـاع وفي إيجادهم لله حكمه
أترضى أن تكون من التخفيف والرحمة؟! أترضين أيتها الأخت المسلمة الغالية! أن تكوني من الهمج الرعاع؟! والله لا نرضى نحن لمسلم أن يكون تخفيفاً ورحمة، فضلاً على أن يكون من الهمج الرعاع، كيف يرضى مسلم عاقل أن يقتله روتين الحياة ورتابتها؟ كيف يرضى مسلم عاقل أن تذهب الأيام والليالي والشهور والسنون وهو على حاله بدون تطور ولا تقدم؟! اسأل نفسك: كم عمرك الآن؟ كم بلغت من العمر الآن؟ عشرون سنة؟ ثلاثون سنة، أربعون سنة؟ أسألك بالله هل أنت راض عن نفسك أيها الأخ الحبيب؟! ماذا قدمت خلال هذه السنوات؟ وهل أنت في تطور أم أنك ما زلت على حالك، وعلى ما أنت فيه منذ سنوات طويلة؟ إن المسلم العاقل صاحب المبدأ، وصاحب اليقين لا يهدأ له بال ولا يقر له قرار حتى يقدم ما في وسعه، وحتى يتقدم، وحتى يكون غده أفضل من أمسه. اسمع لـابن الجوزي وهو يقول رحمه الله تعالى: ولله أقوام ما رضوا من الفضائل إلا بتحصيل جميعها، فهم يبالغون في كل علم ويجتهدون في كل عمل، ويثابرون على كل فضيلة، فإذا ضعفت أبدانهم عن بعض ذلك قامت النيات نائبة وهم لها سابقون، وأكمل أحوالهم إعراضهم عن أعمالهم، فهم يحتقرونها مع التمام، ويعتذرون من التقصير، ومنهم من يزيد على هذا فيتشاغل بالشكر على التوفيق لذلك، ومنهم من لا يرى ما عمل أصلاً؛ لأنه يرى عمله ونفسه لسيده. وبالعكس من المذكور عن أرباب الاجتهاد حال أهل الكسل والشره والشهوات، فلئن ارتدوا بعاجل الراحة لقد أوجبت ما يزيد على كل تعب من الأسف والحسرة، ومن تلمح صبر يوسف عليه السلام، وعجلة ماعز -أي في التوبة- بان له الفرق وفهم الربح من الخسران، ولقد تأملت نيل الدر من البحر، فرأيته بعد معاناة الشدائد، ومن تفكر فيما ذكرته -مثلاً- بانت له أمثال، فالموفق من إذا تلمح قصر الموسم المعمول فيه، وامتداد زمان الجزاء الذي لا آخر له، انتهب -أي: حرص- حتى اللحظة، وزاحم على كل فضيلة، فإنها إذا فاتت فلا وجه لاستدراكها، أوليس في الحديث يقال للرجل: (اقرأ و ارق فمنزلك عند آخر آية تقرؤها) فلو أن الفكر عمل في هذا حق العمل حفظ القرآن عاجلاً. انتهى كلامه رحمه الله.
الاستجابة للنفس الأمارة بالسوء
رابعاً: من مظاهر الرجل الصفر: الاستجابة للنفس الأمارة، الاستجابة لشهواتها ولذاتها، بل وتمكينها قيادة العقل وتغييبه، حتى لم يعد يصبح للنفس اللوامة مكاناً، فمات الشعور بالذنب، ومات الشعور بالتقصير، لذلك ظن الكثير من المسلمين أنه على خير، بل ربما لم يرد على خاطره أنه مقصر، فبمجرد قيامه بأصول الدين، وبمجرد محافظته على الصلوات، بل ربما والتزامه في الظاهر ظن في نفسه خيراً عظيماً، رأى نفسه فظن فيها خيراً عظيماً، ولكن ما كيفية هذا القيام؟ وما حقيقة هذا الالتزام؟ وهل قبل الله منه أم لا؟ بل لماذا نسي مئات بل آلاف من الصغائر التي تجمعت عليه من الذنوب والمعاصي؟ ففي حديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود، حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يأخذ بها صاحبها تهلكه) أخرجه أحمد بسند حسن. فأعجبتنا أنفسنا وأعمالنا، فرضينا بما نحن عليه، وأعلنا الاكتفاء وعدم المزيد، فكانت النتيجة: السلبية ودنو الهمة، وعدم التطلع لما هو أفضل وأحسن، وربما نظر أحدنا إلى من هو دونه في العبادات فأعجبته نفسه، وتقاعس عن الكثير من أبواب الخير. واسمع لشعر هذا الكناس وعزته، قال الأصمعي: مررت بكناس -يكنس الشوارع- في البصرة ينشد يقول:
فإياك والسكنى بأرض مذلـة تعد مسيئاً فيها إن كنت محسنا
ونفسك أكرمها وإن ضـاق مسكـن عليك بها فاطلب لنفسك مسكنا
هذا الذي يقوله الكناس، فقلت -أي: الأصمعي -: والله لن يبقى بعد هذا مذلة، وأي مذلة بعد الكنس ؟ فقال الكناس: والله لكنس ألف مرة، أحسن من القيام على باب مثلك. هكذا تكون عزة المسلم أياً كان ذلك العمل الذي يقوم به، مادام أنه يقوم به لله عز وجل.