السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
"التحذير من أكل أموال الناس بالباطل"
عَنْ حَنِيفَةَ الرَّقَاشِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ".
أخرجه البيهقي فى شعب الإيمان (4/387 ، رقم 5492) . وأخرجه أيضًا: في السنن الكبرى (6/100 ، رقم 11325)
قالالشيخ عبد المحسن الزامل في "شرح بلوغ المرام": ولهذا لو أنك أخذت ماله على سبيل الإحراج له، فلا يجوز لك، وإن كان في الظاهر أنه راض، مثل أن تحرجه أمام الناس بأن يعطيك شيئا من المال، أو شيئا من المتاع، ويرضى نتيجة الحرج أو الخجل، فهذا لا يحل لك في الباطن فيما بينك وبين الله،ويجب عليك أن ترده، ولا يكون تسليمه هذا المال نتيجة خجله أو حيائه منك مجيزا لك بذلك.
قال أبو هريرة رضي الله عنه : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره , ثم قال : " لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول : يا رسول الله أغثني ! فأقول : لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك . لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول : يا رسول الله أغثني ! فأقول : لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك . لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول : يارسول الله أغثني ! فأقول : لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك " . أخرجه الشيخان . والصامت هو : الذهب والفضة .. خلاف الناطق .
حقاً لقد بلغت , وبينت , وحذرت يا رسول الله , فلم يبق لمسؤول , أو موظف حجة بعد هذا البلاغ .
وكيف وبأي حجة يحتج من يسمع النبي صلى الله عليه وسلم ؟؟؟
وهو يحذر بكل وضوح الموظف المسلم من الاستخدام الشخصي لما بين يديه من أشياء , وأدوات .. كالسيارات , والأدوات المكتبية , ونحو ذلك مما تعود ملكيتها للأمة , أو للعمل الذي يعمل فيه .
و يذكر ذلك الموظف بإيمانه بالله , واليوم الآخر لعل الإيمان يحجزه عن الوقوع في ذلك , فيقول صلى الله عليه وسلم : " ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه , ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه " . رواه أبو داود . وهو حديث حسن .
سبحان الله ! .. ما أروعها من شفافية ومكاشفة ! ..
فهل يجد الموظف أو المسؤول بعد هذا كله مجالاً , أو باباً للالتفاف على النظام , أو للبحث عن ثغرات للتعدي على المال العام ؟؟؟
.. مع التأكيد أن الاعتداء على المال العام لا يشمل الموظفين والمسؤولين فقط , بل يمتد إلى المستثمرين والتجار والمقاولين الذين يتولون تنفيذ المشاريع العامة للبلاد والعباد .
وكم نسمع ونرى وللأسف من صور الغش والاحتيال , وأكل المال بالباطل في التنفيذ للمشاريع العامة مما أضر ويضر بمصالح الناس .
ولخطورة الفساد الإداري والمالي , وأثره على المجتمع , ولأهمية وجدود القدوة وصلاحها , فقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه لأنه قدوة وأسوة , فأسمعوه يقول : " إني لانقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لأكلها , ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها " . رواه الشيخان .
وقد أشتهى عمر بن عبد العزيز يوماً أن يأكل تفاحاً , فأهدى إليه بعض الناس جانباً منه , فرفضه عمر , فقيل له : لِم ترفض والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية , ولا يقبل الصدقة ؟ فأجاب عمر : إن الهدية كانت لرسول الله هدية , وهي اليوم لنا رشوة !!!
وكأنه – رحمه الله – يشير إلى حالنا وواقعنا اليوم , فالهدايا , والإكرامية , والعمولة , وغيرها من المسميات التي تُشترى بها الذمم وتُباع .. تعددت المسميات , والهدف واحد . رشوة , وسكوت , وحيل , وخداع , وتدليس , وأكل مال بالباطل .
إن عمر – رحمه الله – يُعطي درساً عملياً لكي يتفطن المسؤول , والموظف , والعامل لحيل النفس , ويحذر خطوات الشيطان , وإلا فالنفس ضعيفة لا يزال بها شيطانها , وشياطين الإنس ممن حولها يُهونون عليها الرشوة , والسرقة , والتعدي بشتى صوره , ويسمونها بغير اسمها .
وربما يضعف الموظف أمام فقره , وحاجته , وأمام ظروف الحياة المعاصرة ومتطلباتها , وكثرة حاجات ونداءات الزوجة والأولاد . ظناً منه أن هذا سينقذه مما هو فيه , وهنا تغيب معاني الإيمان , وتغيب الحقائق والقيم والأخلاقيات من بركة المال والتوفيق والتعويض , فإن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه , وتغيب معاني " الجزاء من جنس العمل " . فقد يمحق المال الذي سرق , أو أغتصب , وتحل العقوبات .
فكم من صور المصائب , والكوارث المتمثلة في خسارة المال , ومحق بركته .. من حوادث , وخسائر , وأمراض , وكثرة المشاكل الأسرية والبيتية , وعقوق الأبناء ونكدهم , وغير ذلك مما قد يكون نتاج عاجل , ودنيوي لأكل الباطل .
فاللهم ارزقنا الحلال .
اللهم أكفنا بحلالك عن حرامك , وأغننا بفضلك عن سواك .
تجنب أكل أموال الناس بالباطل
فحرمة مال المسلم كحرمة دمه، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه، ومن صور أكل أموال الناس بالباطل: الرشوة والغش والتدليس والمقامرة والنجش والغرر والاحتكار والغبن والمطل من الموسرين.. إلخ وقدثبت النهي عن كل ذلك في الأدلة الصحيحة الأخرى، وسيأتي تفصيل ذلك في ثناياهذه الدراسة بإذن الله.
قال تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاتَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) [النساء: 29]،
فنهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يأكلوا أموال بعضهم بعضا بالباطل، أي بأنواع المكاسب الباطلة، كالربا والقمار والرشوة وما جرى مجرى ذلك من سائرأصناف الحيل والتصرفات التي تفضي إلى العداوات وأكل أموال الناس بالباطل.
وقال تعالى: ( وَلاتَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَىالْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْم ِوَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) [البقرة: 188] .
وفيها إشـارة إلى تحريـم الرشـوة،وأنه لا ينبغي لأحد أن يخاصم وهو يعلم أنه ظالم.
- ومما ورد في تحريم الغش حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام . فأدخل يده فيها . فنالت أصابعه بللا . فقال " ما هذا يا صاحب الطعام ؟ " قال : أصابته السماء . يارسول الله ! قال " أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ؟ من غش فليس مني " .
أخرجه مسلم في صحيحه الصفحة أو الرقم: 102
- وإلى النهي عن الغرر يشير حديث أبي هريرة - في الصحيح - قال:نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر .
أخرجه مسلم في صحيحه الصفحة أو الرقم: 1513
فالنهي عن بيع الغرر أصل عظيم من أصول البيوع، ويدخل فيه مسائل كثيرة غيرمنحصرة، كبيع المعدوم والمجهول وما لا يقدر على تسليمه وما لم يتم ملك البائع عليه.
وقد يحتمل بعض الغرر بيعا إذا دعت إليه الحاجة، كالجهل بأساس الدار وكبيع الشاة الحامل فإنه يصح البيع، لأن الأساس تابع للدار، والحمل تابع للشاة،ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك فإنه لا يمكن رؤيته.
- وفي تحريم النجش
النجش: هو الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها ليقع غيره فيها حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش ) .
أخرجه البخاري في صحيحه الصفحة أو الرقم: 2142) بناء على قاعدة أن كل بيع باطل فهو ربا، وهذه قاعدة يقول بها بعض أهل العلم ، وقال ابن أبي أوفى: الناجش آكل ربا خائن.
- وفي تحريم أن يبيع الرجل على بيع أخيه حتى لا يوغر بذلك صدره حديث ابنعمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يبع بعضكم على بيع بعض) ، وفي رواية (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يبع الرجل على بيع أخيه ، ولا يخطب على خطبة أخيه ، إلا أن يأذن له ) .
أخرجه مسلم في صحيحه الصفحة أو الرقم: 1412).
- وإلى تحريم الاحتكار يشير حديث معمر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال: لا يحتكر إلا خاطئ
أخرجه مسلم في صحيحه الصفحة أو الرقم: 1605
والاحتكار: شراء السلعة في وقت الغلاء وحبسها ليغلو ثمنها مع حاجة الناس إليها.
والحكمة في تحريم الاحتكار رفع الضرر عن عامة الناس.
- وإلى سوء منقلب من يجترئ على أكل أموال الناس بالباطل وبالأيمان الفاجرة يشير حديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة ، فقال رجل : وإن كان شيئا يسيرا ؟ قال : وإن كان قضيبا من أراك
أخرجه مسلم في صحيحه الصفحة أو الرقم: 137.
وما رواه مسلم عن ابن مسعود أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه ، لقي الله وهو عليه غضبان . قال عبدالله : ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مصداقه من كتاب الله : { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } [ 3 / آل عمران / الآية 77 ] إلى آخر الآية .
أخرجه مسلم في صحيحه الصفحة أو الرقم: 137
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 138