اُستخدمت تقنية النانو منذ القدم من قبل الحضارة الصينية والحضارة الإغريقية في صناعة المطاط والزجاج واستخدمها العرب في صنع السيوف وكذلك المهاجرين الأمريكان في حفظ اللبن طازجًا لفترات أطول حسب ما ذكر في بعض المصادر إلا أن هذه الاستخدامات لم ترتق إلى درجة العلم بهذه التقنية وماهيتها، وتعتبر محاضرة رتشردفينمان (RichardFeynman) عام 1959م التي كان عنوانها: «هناك الكثير من المساحات في الأسفل» هي بداية اهتمام الأوساط العلمية بالتقنية التي تتعامل مع الجزيئات والذرات بشكل منفرد, وقد تحدث فيها بشكل استشرافي عن مستقبل البشرية ولم يشر إلى تقنية النانو مباشرة، وحتى بداية السبعينيات من القرن الماضي لم يشار لهذا المصطلح (NanoTechnology) ولم يستخدم لوصف هذه التقنية.
وفي عام (1974م) ظهر مصطلح تقنية النانو في محاضرة للبرفسور الياباني (NorioTanguchi) في جامعة طوكيو للعلوم وذلك كمصطلح مرادف لوصف الآلات الدقيقة وليس للدلالة على تقنية مستقلة، وفي عام (1986م) بدأ أول استخدام لمصطلح تقنية النانو (NanoTechnology) في الأوساط العملية بعدما نشر EricDrcxler)) كتابة الشهير بعنوان: «محركات الإنشاء (التكوين): عصر تقنية النانو القادم» حيث بسط فيه الأفكار الأساسية لعلم تقنية النانو وعرض فيه أيضًا المخاطر الكبرى المرافقة له.
ماذا نعني بتقنية النانو؟
يختلف تعريف تقنية النانو باختلاف طبيعة التعامل مع هذه التقنية، وكذلك باختلاف المجال الذي تطبق فيه هذه التقنية, فكلمة تقنية النانو (NanoTechnology) تتكون من مقطعين (Nano) وهي كلمة إغريقية تعني القزم وتصف كل شيء صغير ودقيق ومن هنا يمكن أن نقول إن مصطلح (NanoTechnology) يعني حرفيًا «تقنية الصغائر» ومصطلح نانو في عالم القياس يُعبر عن جزء واحد من مليار جزء, وهذا يعني أننا عند تقسيم المتر الطولي الواحد إلى مليار جزء فإن الجزء الواحد من هذه الأجزاء يمثل نانومترًا واحدًا.
وعمومًا يمكن تعريف تقنية النانو على أنها «التقنية التي تعطينا القدرة على التحكم المباشر في المواد والأجهزة التي أبعادها تقل عن (100) نانومتر وذلك بتصنيعها ومراقبتها وقياس ودراسة خصائصها»، وهذا التعريف هو الأكثر شمولًا والأكثر قبولًا في الأوساط العلمية، وبناء على أهداف هذه التقنية يمكن أن نقول إن جوهر تقنية النانو هو الاهتمام بتصنيع مواد وأجهزة ذات خصائص مختلفة وجديدة وذلك من خلال التحكم في الذرات والجزيئات المفردة وكذلك تجمعاتها.
باختصار إن إعادة ترتيب ذرات أي مادة تحمل في كثير من الأحيان مفاجآت في إظهار خصائص جديدة تسمح باستخدامات جديدة لها.
تطبيقات ومستقبل تقنية النانو
تعتبر تقنية النانو ثورة علمية هائلة لا تقل عن الثورة الصناعية التي نقلت الإنسان إلى عصر الآلات أو ثورة التكنولوجيا التي نقلت الإنسان إلى عصر الفضاء والاتصالات والإنترنت، وتطور شامل في مختلف المجالات وكل فروع العلوم, فما تقدمه تكنولوجيا النانو هو القدرة على صنع كل ما يتخيله الإنسان بكلفة أقل وجودة أعلى وهذه القدرة ستكون مفتاح التقدم العلمي الذي سيغير معالم الحياة على نحو قد لا يستطيع الإنسان تصور كل أبعاده اليوم، وفي ذلك يقول أحد العلماء إن ما سننتجه ونكتشفه باستخدام هذه التقنية في السنوات القليلة القادمة سوف يعادل بل سيتجاوز ما تم اكتشافه منذ أن خلقت الأرض.
وعلى سبيل المثال لا الحصر تطبيقات النانو في المجال الطبي وإمكانية مساهمة هذه التقنية في معالجة الأورام السرطانية، وابتكار أجهزة نانوية تقوم بإجراء العمليات داخل جسم الإنسان بدون جراحة، وقد تمكن باحثون من جامعة هانج يانج في سيؤول من إدخال نانو الفضة إلى المضادات الحيوية, ومن المعروف أن الفضة قادرة على قتل حوالي 650جرثومة دون أن تؤذي الجسم البشري.
وهناك دراسة علمية نشرت في مجلة تقنية النانو الأمريكية عام (2005م) أجراها باحثون من جامعتي تكساس ومكسيكو الأمريكيتين تؤكد أن النانو سلفر عند مقياس (1-10) نانو متر قادرة على القضاء على أحد أخطر الفيروسات إطلاقًا على صحة الإنسان ألا وهو فيروس الإيدز HIV-1، وطبقًا لما جاء في البحث المشار إليه فإن النانو سيلفر قد قضى على 100% من فيروسات الإيدز خلال 3 ساعات فقط من بدء التجربة عند درجة حرارة 37 مئوية أي درجة حرارة جسم الإنسان .
وفي عالم الإلكترونيات ستقضي تقنية النانو على الأجيال الحالية من أجهزة الحاسب الآلي والأجهزة الإلكترونية وإنتاج أجيال ذات سرعة عالية في نقل البيانات وجودة في الأداء وذات أحجام صغيرة، وستطلق شركة هاولت باكارد(hp) إلى السوق رقاقات يدخل في صنعها نانو إلكترونيات قادرة على حفظ المعلومات أكثر بآلاف المرات من الذاكرة الموجودة حاليًا.
وقد أوردت مجلة الايكونوميست مؤخرًا أن الكلام بدأ عن مادة جديدة مصنوعة من نانو جزيئات تدعى «Quasam» تضاف إلى البلاستيك والسيراميك والمعادن فتصبح قوية كالفولاذ خفيفة كالعظام وستكون لها استعمالات كثيرة خصوصًا في هياكل الطائرات والسفن والغواصات فهي مضادة للجليد ومقاومة للحرارة حتى 900درجة مئوية.
واستخدمت المملكة العربية السعودية تقنية النانو في حج عام 1429هـ في صناعة مادة مضادة للبكتيريا والفطريات والفيروسات، ترش على السجاد والأقمشة والجدران وهي مادة معقمة تمنع نمو وانتشار الميكروبات بين الحجيج.
المناهج الدراسية ومواكبة تقنية النانو
انطلاقًا من توصيات المؤتمر الدولي لتقنية النانو المنعقد في رحاب جامعة الملك سعود بالرياض في الفترة من 9-11 ربيع الآخر 1430هـ، الذي يدعو إلى إدخال تقنية النانو في المناهج الدراسية للمراحل الأولية في المملكة العربية السعودية لما لهذه التقنية من مستقبل مأمول وباعتبارها من أهم مميزات تقنية المستقبل، ولضرورة الاهتمام بالعنصر البشري باعتبار الإنسان حجر الزاوية في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدولة, فإن هناك حاجة ملحة للاستعداد لتفعيل هذه التوصية على كافة المستويات:
أولًا: على مستوى وزارة التعليم العالي ممثلة في الجامعات وكليات التربية لإعداد مقررات وبرامج تختص في موضوعات تقنية النانو لإدخالها في برامج إعداد المعلمين وكذلك استقطاب المختصين لتدريس هذه الموضوعات وتوفير المعامل والتقنيات الحديثة.
ثانيًا: على مستوى وزارة التربية والتعليم فالغالبية العظمى من المعلمين والمعلمات وبالتالي الطلاب في مختلف المراحل يجهلون الكثير عن تقنية النانو لحداثة هذا العلم ولتقصير الجهات المعنية ومراكز الأبحاث في الجانب الإعلامي والتثقيفي وينتظر من وزارة التربية والتعليم التحرك السريع لمواكبة التطور العالمي في مجال تقنية النانو بداية من:
مخططي المناهج: وحيث إن تقنية النانو شاملة لجميع التخصصات في العلوم بمختلف فروعها (الكيمياء, الأحياء, الجيولوجيا, الفيزياء) وفي الرياضيات وتشمل أيضًا التربية الإسلامية واللغة العربية والاجتماعيات وكذلك التربية البدنية والفنية فعلى وزارة التربية والتعليم تطوير المناهج بداية من الأهداف واختيار المحتوى وتنظيمه وتقويمه واختيار الأنشطة الصفية واللاصفية لتعكس الاهتمام المحلي والدولي بتقنية النانو.
المعلمين والمعلمات: ويعتبرون التحدي الفعلي لوزارة التربية والتعليم فهناك ما يقارب من نصف مليون معلم ومعلمة يحتاجون لبرامج تدريبية تثقيفية عن تقنية النانو وكذلك إلى برامج متخصصة لمعلمي العلوم كل فيما يخصه في الجامعات.
البيئة التعليمية: وتشمل تطوير معامل العلوم (والفيزياء, الكيمياء, الأحياء , الجيولوجيا) لتواكب تطوير المقررات في ضوء تقنية المستقبل تقنية النانو، بالإضافة لتوفير الوسائل التعليمية والتقنيات الحديثة.
وأخيرًا: تحتاج وزارة التربية والتعليم إلى عقد شراكات استراتيجية مع الجامعات المحلية والدولية ومراكز الأبحاث وكذلك مع وزارات التربية في مختلف أنحاء العالم للاستفادة من الخبراء والمختصين ولتبادل البرامج والفعاليات في مجال تقنية النانو.
الرئيسية
البوابة
