السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
كل منا في هذه الحياة قد تعرض لكثير من المصائب والمحن ولابد أن البعض منا شرب
من الهموم والغموم ما الله به عليم حتى ضاقت عليه الأرض بما رحبت كما يقولون ،
وقد تتوالى المصائب والمحن على المرء ,,
فلا يصحو من مصيبة الا والاخرى متشبثة بها !!
وقد لا يرى الفرح والسرور الا نادرا ,,
ولله در الشافعي رحمه الله حين تحدث عن قلة السرور وكثرة الغموم فقال :
محن الزمان كثيرةٌ لا تنقضي ... وسرورها يأتيك كالأعياد !!
ولأن المصائب قدلا تأتي فرادى قال في ذلك :
تأتي المكاره حين تأتي جملةً ... وأرى السرور يجيء في الفلتات !!
نعم قد تتكالب المصائب على الانسان وتتوالى عليه مجتمعة
و ربما يفقد المرء معها توازنه بعض الشي ,,
ولكن الانسان المؤمن مهما تكاثرت عليه الشدائد والمحن ,,
نجده واثق برحمة ربه عز وجل متوكل عليه ,,
متيقن من انفراج الشدة وزوالها حتى في أشد الظروف ,,
قال الشاعر :
ولرب نازلةٍ يضيق بها الفتى --- ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها --- فرجت وكنت أظنها لا تفرج !
..
المسلم لاينسى أن العطاء قد يكون في المنع وأن وراء كل محنة منحة,,
قال سبحانه وتعالى:
{ فَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئاً وَيَجعَلَ اللهُ فِيهِ خَيراً كَثِيراً }
وقال سبحانه وتعالى:
{ وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لكُم
وَعَسَى أَن تُحِبوا شَيئًا وَهُوَ شَر لكُم وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ}.
وفي الحديث عَنْ سَعْدٍ قَالَ : قُلْتُ :
(( يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً ؟ قَالَ : الأنْبِيَاءُ ، ثُمَّ الأمْثَلُ ، فَالامْثَلُ ،
فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلأؤُهُ ،
وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ،
فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الارْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ)) .[الترمذي]
ونحن نعلم يقينا ان الله سبحانه لم يبتلينا ليعذبنا، بل ليرحمنا.
فمهما كان الابتلاء شديدا فلا بد ان يكون وراءه خيرا كثيرا
قد تخفى علينا الحكمة منه ولا نعلم بذلك الا بعد مرور تلك الشدة والابتلاء .
وفي ذلك قال ابن القيم رحمه الله حين تحدث عن أناس وجدوا في المصائب جمالا !!
كما وجدوها في النعم حيث أن الكل من الله سبحانه وتعالى ..
قال رحمه الله : وكل ما يصدر عن الله جميل وإذا كنا لا نرى الجمال في المصيبة ,,
فلا بد أن نتأمل قصص موسى عليه السلام مع الخضر في سورة الكهف ،
ونتأمل كيف كان خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار في قرية السوء شرا
محضا في نظر النبي موسى عليه السلام ,,
وكيف ظهرت له مواطن الجمال في أفعال الله بعد معرفة الحقائق والحكم التي وراء الابتلاء!!
السفينة نجت بالخرق ,
وقتل الغلام كان رحمة من ربك ,
وتأخير رزق اليتيمين كان رحمة من ربك أيضا !
حقا ماقيل :
رب أمـــر تــــتــقيه ، جــر أمر ترتجيه
خفي المحبوب منه ، وبدا المكروه فيه !
وما أجمل قول الشاعر حين قال :
قد يُنعم الله بالبلوى وإن عظمت………. ويبتلي الله بعض القوم بالنعم !!
و نجد المسلم الحق متوكل على ربه دائما يتذكر
عند الشدائد والمحن أن كل شيء بقضاء وقدر ،
وهو لا ينسى عند وقوع المصيبة ان يقول :
((إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيراً منها..))
فهو يصبر و يسترجع عند كل مصيبة تصيبه من خوف أو موت
أو فقر أو مرض مستحضرا عند ذلك كله قوله تعالى :
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ
أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:155-157].
وقوله- صلى الله عليه وسلم-:
"عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن،
إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له"
(رواه الإمام مسلم في صحيحه عن صهيب بن سنان رضي الله عنه).
نعم الصبر من أفضل صفات المؤمنين وأعلاها منزلة والفائز هو من تحلى به ,,
فرغم مرارته إلا أن ثماره حلوة رائعة ,,
قال بعض السلف وقد عُزي على مصيبةٍ أصابته ,,
فقال: مالي لا أصبر وقد وعدني الله على الصبر ثلاث خصال، كل خصلةٍ منها خيرٌ من الدنيا وما عليها:
" وبشر الصابرين" بصلاة الله ورحمته وهدايته
و " وبشر الصابرين " بعظم الأجر ..
و " بشر الصابرين " بالهداية والثبات ..
قال الشاعر علي بن جهم:
وعاقبة الصبر الجميل جميلة .... وأفضل أخلاق الرجال التفضل
ولا عار إن زالت عن الحر نعمة .... ولكن عار أن يزول التجمل !
وقال الآخر :
إذا أرهقتك هموم الحياة
ومسك منها عظيم الضرر..
وذقت الأمرين حتى بكيت
وضج فؤادك حتى انفجر..
وسدت بوجهك كل الدروب ؟
وأوشكت أن تسقط بين الحفر..
فيمم إلى الله في لهفة
وبث الشكاة لرب البشر ..
...
في الختام أذكركم ونفسي بالدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى
واللجوء إليه في كل أحوالنا وأوقاتنا ,,
قال الله تعالى:
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)
وقد قال صلى الله عليه وسلم :
"ما من مسلم يدعو الله إلا كتب له الله إحدى ثلاث أن يعجل له دعوته فى الدنيا،
أو أن يدخرها له فى الآخرة، أو أعطاه مثلها".
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ ))
ومن أعظم الأدعية التي تذهب الهم والغم والأحزان، قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
«مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلاحَزَنٌ فَقَالَ:
اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ
بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ
أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ,,
أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي،
إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجا.
قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا».
اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري
وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي
وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي
واجعل الحياة زيادة لي في كل خير
واجعل الموت راحة لي من كل شر .