د. عدنان بن عبد الله الشيحة
النظرة المشتركة، العمل بروح الفريق، التكامل والتنسيق، والإيمان
بالأهداف الوطنية الاستراتيجية من قبل الأجهزة الحكومية عناصر أساسية
لمواجهة التحديات الكبيرة ومعالجة المشكلات المزمنة مثل البطالة والفقر
وتحقيق تطور حقيقي على مسار التنمية الوطنية. فالقضايا الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية باتت معقدة ومتداخلة وتتطلب حلولا شمولية تتداخل
فيها جهات عدة، ولم يعد باستطاعة جهة واحدة العمل بمفردها كما كان سابقا.
لذا فإن المتغيرات السريعة التي تعصف بالمنطقة تحتم إعادة النظر بأسلوب
إدارة المجتمع وطريقة الأداء الحكومي وطبيعة ونوعية الخدمات المقدمة. هناك
حاجة ملحة إلى حلول إبداعية ومبادرات مشتركة جريئة خارج النمط المعتاد تنظر
للأمور من حولنا بطريقة جديدة وتستجيب للمتغيرات على الساحتين الداخلية
والخارجية بفاعلية وكفاءة. لم يعد يكفي تقديم الخدمة بطريقة روتينية مجزأة،
لم يعد يكفي الإنفاق السخي، لم يعد يكفي تأدية العمل بجد واجتهاد بأسلوب
بيروقراطي عقيم، لكن العمل بذكاء وإبداع وشمولية وتحقيق أهداف وطنية بعيدة
المدى. هل هذا ممكن في ظل التشرذم الإداري والتسابق المحموم والمنافسة بين
الأجهزة الحكومية للاستحواذ على النصيب الأكبر من الموارد المالية والبشرية
والصلاحيات الإدارية؟ هل هذا ممكن في ظل غياب استراتيجية وطنية متفق عليها
وتطبق بالتزام تام؟ هل هذا ممكن في ظل ضعف دور مجلس الشورى والمجالس
النيابية الأخرى في صناعة القرار العام؟ هل هذا ممكن في ظل نهج المركزية
الشديدة وعدم منح مجالس المناطق الاستقلال الإداري والمالي؟ هذه الأسئلة
وغيرها كثير لا بد من طرحها ليس بقصد الإثارة أو الانتقاد السلبي أو
التقليل من حجم الإنجازات التي تحققت أو المساس بثوابتنا الوطنية كما يفعل
البعض من الخارجين عن الإجماع ويسعون لتنفيذ أجندات خارجية وإثارة الفتنة،
لكن هي أسئلة تستلزم منا كمجتمع طرحها لنكون على بينة من الأمر ومتيقظين
نستبق الأحداث ونعد العدة للمقبل من الأيام. القصد هنا إيجاد نظام تكاملي
للعمل الحكومي لخلق أوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية مطلوبة. أقول أوضاعا
وليس تطويرا تنظيميا لكل جهاز حكومي، لأن زيادة إنتاجية كل جهاز حكومي على
حدة لا تكفي، لا بد من منظومة عمل حكومي كخريطة طريق تجعل عمل كل جهاز
حكومي يصب في اتجاه واحد مشترك. أحد الأمثلة المشاهدة بشكل مستمر التي تشير
إلى ضرورة التنسيق والتخطيط المشترك بين الجهات الخدمية استباحة حفر
الشوارع دون مبالاة ولا حياء وكأن هناك خصاما وجفوة بين تلك الجهات لتكون
حصيلة معاركها تشويه الطرقات العامة.
لقد أدركت كثير من الجهات الحكومية أهمية العمل المشترك وأنها لن تستطيع
أداء مهامها دون مساندة الآخرين، فسعت إلى تطوير علاقة فيما بينها عبر
اتفاقيات شراكة تضع إطارا للعمل التكاملي وتحديد الأدوار وتنسيق المهام.
هذه الشراكات أصبحت أمرا ضروريا لتجاوز التحديات التي تعطل وتعرقل جهود
التنمية الوطنية. آخر هذه الشراكات كانت بين وزارة العمل وهيئة الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، التي ستقود - بإذن الله - إلى تقريب وجهات
النظر وتطوير رؤية مشتركة تخدم المصلحة العامة وتلبي احتياجات المواطنين
الاقتصادية وتحقق الانضباط الاجتماعي. هذه الشراكات دليل على ضرورة إيجاد
صيغة للعمل المشترك من خلال تفعيل مجلس الشورى ومجالس المناطق والمجالس
المحلية والبلدية لتقوم بمهمة صياغة التشريعات والسياسات العامة التي توجه
العمل الحكومي وتصيغ أولوياته وتراقب وتحاسب أداء الأجهزة الحكومية.
سيستغرق ذلك وقتا طويلا وربما طرح تطوير عمل تلك المجالس وأهميته في تنسيق
الجهود بين الأجهزة الحكومية في أحد نقاشات الحوار الوطني. لكن إلى ذلك
الحين ستكون اتفاقيات الشراكة بين الأجهزة الحكومية أمرا في غاية الأهمية،
وهنا لا بد من التنويه بالدور الريادي الذي لعبته الهيئة العامة للسياحة
والآثار في نشر ثقافة العمل المشترك بين الأجهزة الحكومية من خلال استحداث
مفهوم اتفاقات التفاهم المشترك وعقد شراكات مع عدد كبير من الجهات الحكومية
والمؤسسات الخاصة. لم تكن تلك الشراكات حينما بدأتها الهيئة العامة للساحة
والآثار قبل ما يقارب عقدا من الزمان أمرا مألوفا، بل كانت محل استغراب
يصل إلى حد الاستهجان على جميع المستويات! في ذلك الوقت لم يفهم الكثيرون
المغزى منها، خاصة في ظل سيطرة ثقافة الاستحواذ والتحوصل الإداري وانكفاء
كل جهاز على ذاته وتشرنق بيروقراطي جعل كل جهاز يعمل على شاكلته. لقد أحسنت
الهيئة صنعا حينما بادرت إلى بناء نموذج للشراكة الحكومية يحقق التعاون
بشفافية ومسؤولية والتخلي عن الطرح الانفرادي والتفكير الأناني. ولا شك أن
ذلك يأتي انعكاسا لرؤية وتفكير والأسلوب القيادي للأمير سلطان بن سلمان
رئيس الهيئة. هذه ليست مجاملة لكن حقيقة وواقع يلمسه كل من تعامل مع الهيئة
العامة للسياحة والآثار، فهناك عمل مهني متطور وثقافة تنظيمية تعتمد على
التعلم والشفافية وبناء الخبرة والانفتاح على الآخرين وخلق أوضاع مربحة
لجميع الأطراف المتداخلة. لكن بكل تأكيد نجاح اتفاقات الشراكة مرهون بمدى
جدية وتفاني والتزام الأجهزة في تنفيذها. ستبقى اتفاقات الشراكات إحدى أبرز
المبادرات الحكومية التي لا بد من العمل على تطوير مفهومها وتوسيع نطاقها
وتحويلها إلى عمل مؤسسي من خلال المجالس النيابية لتسهم في معالجة مشكلاتنا
والتصدي للتحديات بعزيمة مشتركة ورؤية تكاملية تعزز اللحمة الوطنية وتحفز
الجميع لتحقيق الهدف نفسه كل من موقعه