د.صلاح بن فهد الشلهوب
المملكة العربية السعودية خلال فترة 60 عامًا تحولت تحولاً كبيرًا، فمن
زارها قبل 50 أو حتى 40 سنة لن يصدق أنه يرى تلك المدينة البسيطة التي
زارها تلك الأيام من التغير الكبير اليوم، خصوصًا في المدن الرئيسة وكأنه
يجول في بلد آخر، فبعد أن حلّ النفط ضيفًا عليها بنعمة من الله، غيّر في
حياتنا كثيرًا؛ فالناس بعد أن كانت تبحث عن لقمة العيش شرقًا وغربًا في دول
مجاورة وبعضها بعيدة، أصبحت المملكة وجهة مفضلة لكثيرين للحصول على لقمة
العيش، فبحمد الله تغير في حياتنا كثير وأصبحت الحياة أفضل من ذي قبل. فما
يتمتع به كثير من أبناء المجتمع من نعم منّ الله بها علينا، لم يكن أجدادنا
يجدون جزءًا بسيطًا منه.
لكن من سنن الله – تعالى - أن الرفاه نعمة قابلة للزوال إذا لم يتم
الحفاظ عليها، فالنفط خام قابل للنضوب، وما نتمتع به من موارد نجد أنها قد
تنضب أو يصعب الحصول عليها إذا لم يتم الحفاظ عليها كما ينبغي، مثل المياه،
والمعادن، والغذاء وغيرها. في محاضرة قدمها حمد الضويلع، الرئيس التنفيذي
لمشروع إطعام في المنطقة الشرقية، الذي يعتني بالاستفادة من باقي الطعام
الذي يعد في الفنادق والمناسبات وذلك في إثنينية الفاضل أحمد العبد الهادي،
ذكر أن ما يتم رميه يوميًا من الوجبات في المنطقة الشرقية أربعة ملايين
وجبة – نعم يوميًا وليس خطأ مطبعيًا – ولو افترضنا أن عدد سكان المنطقة
الشرقية أربعة ملايين، فإن كل مواطن يهدر وجبة كاملة يوميًا، مع أنه -
وبحسب ما ذكر حمد - أن هذا التقدير متحفظ جدًا. هذا الهدر للثروة صورة من
أشكال أخرى للهدر والاستهلاك المبالغ فيه، ومثل ذلك المياه والطاقة
والكهرباء.
فمن عجائب ما ورد في بعض التقارير أن أكبر منتج للنفط يتوقع ألا يتمكن
من تصدير إنتاجه عام 2030 نتيجة زيادة معدلات الاستهلاك المحلي في المملكة،
خصوصًا في الكهرباء وتحلية المياه، يضاف إلى ذلك الاستهلاك الكبير للبنزين
بسبب عدم وجود النقل العام داخل المدن الكبرى، وشبكة السكك الحديدة لنقل
البضائع، والمبالغة في استهلاكه في السيارات.
اعتدنا أن نسمع من أجدادنا وآبائنا الفرق الكبير بين حال المجتمع في
السابق وحاله اليوم، وكثيرًا ما يحرصون على الحفاظ على الثروة وتنبيه
أبنائهم على ذلك، ولكن مع تقدم الزمان، ووفاة كثير من أابناء ذلك الجيل
الذي عاش حالة الفقر السائدة في ذلك الحين، وحالة النعمة التي يتمتع بها
كثير من المواطنين اليوم، أصبحت مسألة العناية بالثروة أقل بكثير لدى الجيل
الحالي، وبعد فترة قد يكون الأمر أسوأ، خصوصًا أن البعض اعتاد الرفاهية،
إضافة إلى مظاهر الإسراف التي تعج بها الصور في الشبكة العنكبوتية، والتي
تظهر صورا من عدم المبالاة والمبالغة في الإسراف التي تستجلب الذم لا
المدح.
هذه الصور والأمثلة التي نشاهدها بصورة مستمرة تتطلب إجراءات للحد من
استفحالها، وإلا سيتضرر الجيل الحالي والأجيال في المستقبل، في قصة قرأتها
في أحد مواقع التواصل الاجتماعي أن أحد المواطنين دعا صديقًا له في مطعم في
ألمانيا، وطلبا طعامًا يفوق حاجتيهما، وبقي منه جزء لا بأس به، وإذا
بعجوزين تنظران إليهما نظرة استياء، ثم اتصلت إحداهما على الشرطة، وبعد
حضور الشرطة قالت لهما من حقكما حرق نقودكما، لكن لا يحق لكما هدر ثروة
الوطن، ثم حررا لهما مخالفة بغرامة مالية، فالقصة إن كانت حقيقية أو تخيلية
فإنها تحمل معنى صحيحًا يستحق الوقوف عنده والاتعاظ منه.
وهذا ما يدعو إلى أن يكون هناك نشر للوعي بأهمية الحفاظ على الثروة، وأن
تكون هناك تشريعات وأنظمة تعاقب من يبالغ في الإسراف وهدر هذه الثروة التي
هي من حق الأجيال القادمة، خصوصًا عندما نعلم أن معظم السلع التي نستخدمها
يصلها دعم حكومي بصورة مباشرة أو غير مباشرة، خصوصًا الغذاء. وقد لا يكفي
في ذلك غرامة مالية؛ نظرًا لأن البعض لا يهتم بدفع مبلغ مالي مهما كان،
خصوصًا أن الإسراف يكلفه الكثير ولم يأبه بذلك، لكن يمكن على سبيل المثال
عقوبته بتقديم خدمات اجتماعية يلامس من خلالها عظم نعمة الله عليه، وذلك
بأن يوصل الطعام إلى الفقراء بصورة يومية لفترة مناسبة.
أما فيما يتعلق بالهدر المتعلق بالكهرباء فإنه يتطلب، إضافة إلى
الترشيد، أن تكون هناك إجراءات حكومية، خصوصًا في قطاع الصناعة الذي يستهلك
كثيرًا من هذه الموارد؛ وذلك بتحفيز استخدام التقنية لتقليل استهلاك
المياه والكهرباء، حيث يذكر بعضهم أن إنتاج لتر من الحليب محليًا يستهلك من
المياه أضعاف ما يتم استهلاكه في الدول المتقدمة، ونحن نعلم أن أجزاء
كبيرة من مناطق المملكة صحراوية وشحيحة بالمياه، أما فيما يتعلق بالمواطن
فيمكن تحفيز استخدام الأجهزة والأدوات التي تستهلك معدلاً أقل من الماء
والكهرباء، وذلك من خلال دعم تخفيض أسعارها – مع العلم أن هناك جهودًا
مشكورة بتقديم الأدوات التي تقلل استهلاك المياه - وقبل هذا وذاك ينبغي أن
تكون العناية بالثروة جزءًا من سلوكنا؛ إذ إنها جزء في الأساس من تعاليم
ديننا، وثقافة آبائنا وأجدادنا.
الخلاصة، أن ما ننعم به من ثروات لم يعشها أجدادنا يتطلب منا شكر الله
عليها، ومن ذلك الحفاظ عليها، والعناية بالثروة أمر واجب من تعاليم ديننا
ومسؤولية تجاه الأجيال القادمة؛ ولذلك من المهم أن يكون هذا سلوكًا عامًا
في المجتمع يبدأ مع الوعي، وقد يصل إلى عقوبة من يبالغ في هدر الثروة،
خصوصًا أن الثروة الأساس لما ننعم به اليوم، وهي النفط سلعة قابلة للنضوب
يومًا ما مهما طالت المدة.