حكم الفتنة بين الناس ان كانت مقصودة ومخطط لها
هو حكم الإفساد في الأرض ، ومرفق الدليل :
هناك تلازم بين الكفر بالله ، وبين الإفساد في الأرض وبين قطيعة الأرحام
إذ الحسنة تُنادي على أختها ، والسيئة كذلك ..
فالكُفْر يدعو إلى الإفساد في الأرض ..
ومما ينبغي أن يُعلَم أن الإفساد في الأرض نوعان :
الأول : إفساد حِسِّيّ ، بالتخريب والقَتْل والدمار .
والثاني : إفساد معنوي [ وهو أشدّ ]
ولذا قال جَلّ ذِكْرُه : (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) وقال : (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) .
وسبب ذلك أن أثار القتل والدمار تزول بينما آثار الكُفر والأفكار غالباً لا تَزول ..
وانظر إلى فرعون رغم طغيانه وجبروته .. ذَهَب فرعون وذَهَب أثره !
وانظر إلى أفكار بعض فِرق الضلالة – وإن انتسبتْ إلى الإسلام – كيف ذَهَب رموزها وبَقِيَتْ أفكارها !
وهذا المعنى سبقت إليه الإشارة هنا :
http://saaid.net/Doat/assuhaim/50.htm
وقطيعة الأرحام من آثار ذلك الإفساد المعنوي .
ولذلك اتَّصَف المؤمن بِصِلَة الرَّحم ، ووُصِف الكافر بِقطيعة الرَّحِم ..
وقد قال ربنا – وقوله الصِّدْق – و وَعَد – ووعده حق – أن يَصِل من وَصَل رحِمه ، وأن يَقطع من قَطَع رحِمه ..
روى
البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : خلق الله الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بِحَقْوِ الرحمن ،
فقال له : مه ! قالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة . قال : ألا ترضين
أن أصِل من وصلك ، وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى يا رب . قال : فذاك . قال
أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ
تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) .
وروى
البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
إن الرحم شجنة من الرحمن ، فقال الله : من وصلك وصلته ، ومن قطعك قطعته .
رواه البخاري .
وفي حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : الرَّحِم شجنة ، فَمَنْ وَصَلَها وَصَلْتُه ، ومن قطعها قطعته .
رواه البخاري .
وهذا يُبيِّنه ما في المسند وغيره من حديث عبد
الرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله عز
وجل : أنا الرحمن خَلَقْتُ الرَّحم ، وشققت لها من اسمي اسماً ؛ فمن
وَصَلَهَا وصَلْتُه ، ومن قَطَعها بَـتَـتُّـه .
قال الإمام ابن جرير الطبري في التفسير :
القول في تأويل قوله تعالى : (وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ )
قال
أبو جعفر [ هو ابن جرير ] والذي رَغَّب الله في وَصْلِه ، وَذَمّ على قطعه
في هذه الآية : الرَّحم . وقد بَيَّن ذلك في كتابه فقال تعالى : (فَهَلْ
عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا
أَرْحَامَكُمْ) ، وإنما عَنَى بالرَّحم أهل الرجل الذين جمعتهم وإياه
رَحِم والدةٍ واحدة ، وقَطْعُ ذلك : ظُلْمه في ترك أداء ما ألْزَم الله من
حقوقها ، وأوجب من بِرِّها ، وَوَصْلُها أداء الواجب لها إليها من حقوق
الله التي أوجب لها ، والتعطّف عليها بما يَحِقّ التعطف به عليها . اهـ .
وقال
البغوي في التفسير : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) فلعلكم (إِنْ تَوَلَّيْتُمْ)
أعرضتم عن القرآن ، وفَارَقْتُم أحكامه ، (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ)
تَعُودُوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية ، فَتُفْسِدُوا في الأرض بالمعصية ،
والبَغي ، وسفك الدماء . اهـ .
وقال القرطبي في التفسير :
اختُلِفَ في معنى (إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) :
فقيل
: هو من الولاية . قال أبو العالية : المعنى : فهل عسيتم إن توليتم
الْحُكْم فجُعِلْتُم حُكاماً أن تُفْسِدوا في الأرض بأخذ الرّشا .
وقال الكلبي : أي فهل عسيتم إن توليتم أمْرَ الأمة أن تُفسِدوا في الأرض بالظُّلْم .
وقال ابن جريج : المعنى : فهل عسيتم إن توليتم عن الطاعة أن تُفسِدوا في الأرض بالمعاصي وقَطْع الأرحام .
وقال كعب : المعنى : فهل عسيتم إن توليتم الأمر - أن يَقْتُل بعضكم بعضا .
وقيل
: من الإعراض عن الشيء . قال قتادة : أي فهل عسيتم إن توليتم عن كتاب الله
أن تُفسِدوا في الأرض بِسَفْكِ الدماء الحرام ، وتُقَطِّعوا أرحامكم .
وقيل : فهل عسيتم : أي فلعلكم إن أعرضتم عن القرآن ، وفارقتم أحكَامِه أن تُفسِدوا في الأرض فَتَعُودُوا إلى جاهليتكم .
وقال بكر المزني : إنها نزلت في الحرورية والخوارج ، وفيه بُعْد ، والأظهر أنه إنما عُنِي بها المنافقون . اهـ .