[u][/u]
فضائل الإحسان إلى الجار
[u][u][/u][/u][u][u][u][/u][/u][u][u][/u][/u][/u][u][u][/u][/u][u][u][u][/u][/u][u][u][size=16][u][u][u][u][/u][/u][u][u][u][/u][/u][u][u][u][/u][/u][/u][/u][/u][/u][/u][/u][/u]
[/size]
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به
من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له،
ومن يضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له،
وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ،
وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين.
أما بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عباد الله: لقد اعتنى الإسلام بتنظيم علاقة أفراد المجتمع المسلم،
وأمر بكل ما يقوي هذه الرابطة، ونهى عن كل ما يفسدها أو يضعفها، ولذا اهتم
الإسلام بالجوار، ووضع للجار حقوقا ألزم الجار بالمحافظة عليها وملازمتها؛
لتبقى العلاقة قوية ووطيدة. ومن تلكم الحقوق: الإحسان إلى الجار.
والإحسان إلى الجار يكون بالقول والعمل، والإحسان خلق كريم، يهيئ
القلوب للخير، ويورث الطمأنينة، ومتى شعر الجار بسلام من جاره، وأن جاره
يحسن إليه، اطمأنّ قلبه، وانشرح صدره وارتاحت نفسُه.
وللإحسان إلى الجار فضائلُ عديدةٌ، فلقد أخبر -صلى الله عليه وسلم-
أنَّ حسنَ الجوارِ علامةُ الإسلام، رُوى عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
"
كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ،
وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ
لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحَسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ
مُسْلِمًا".
ومن فضائل الإحسان إلى الجار أنه علامة الإيمان، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "
مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ".
ومن فضائل الإحسان إلى الجار أنه سبب لمحبة الله ورسوله، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "
إن أحببتم محبة الله ورسوله؛ فأدوا إذا ائتمنتم، واصدُقوا إذا حدثتم، وأحسنوا جوار مَن جاوركم".
ومن فضائل الإحسان إلى الجار أن الإحسان سبب لعمارة الديار، وطول الأعمار، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "
مَنْ أُعْطِىَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِىَ حَظَّهُ في الآخِرَةِ"، ويقول: "
وَصِلَةُ الرَّحِمِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ، وَحُسْنُ الْجِوَارِ، يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الأَعْمَارِ".
ومن فضائل حسن الجوار أنه سبب لدخول الجنة، سأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عمل يُدخل الجنة فقال: "
كن محسنا"، قال: متى أكون محسنا؟ قال: "
إن أثنى عليك جيرانك فأنت محسن".
والإحسان إلى الجار ليس مُتَّبَعاً معيَّناً، ولاشيئاً خاصاً، ولكنه عامٌّ، من الأقوال الطيبة، والأفعال الحسنة.
ومن ذلكم أن الهدية للجار مشروعة، إذ إن أصل الهدية أنها شُرعت
لإزالة الشحناء والعداوة، وتقوية أواصر الحب بين أفراد المجتمع، كما جاء: "
تَهَادَوْا تَحَابُّوا"، ولهذا ادفع بالهدية للجار، وتعهد ذلك، وإن قَلَّتْ، فلو كانت في النظر قليلة، فإنها تؤدي عملا طيبا.
ولهذا؛ في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقلة الأشياء، وشظف
العيش، كانت الهدية لها وقع في النفوس وإن قلَّت، يقول -صلى الله عليه
وسلم- لأبي ذر: "
يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ".
وفي الحقيقة؛ في زمنه -صلى الله عليه وسلم-، وفي زمن الحاجة، كان
لذلك أثرٌ عظيمٌ في تقوية أواصر المحبة؛ ولهذا يقول -صلى الله عليه وسلم-: "
يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنَاتِ، لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ"، أي: وإن قل.
ومن صور الإحسان إلى الجار التطبيقية التعاون والتنازل عن بعض الحقوق لأجل الجار، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "
لاَ يَمْنَعَنَّ جَارٌ جارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً عَلَى جِدَارِهِ". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: "
مَا لِى أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاللَّهِ! لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ".
ومن صور الإحسان إلى الجار صيانة عرضه، والمحافظة على شرفه، وستر
عورته، وسدّ خُلته، وعدم التطلع إلى عوراته بالبصر، واحترام ذلك؛ دينا تدين
لله به.
لقد حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلم أذى الجار، إذ الأذى في الأصل محرم، إيذاء المسلمين عامة محرم: (
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [الأحزاب:58].
لكن الأذى للجار أشد وأشنع، وقد رُتب عليه الوعيد الشديد، فأولا: نفْي الإيمان، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "
مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِى جَارَهُ"، أي: بأي نوع من أنواع الأذى.
وأخبر -صلى الله عليه وسلم- إن إثم إيذاء الجار يزيد على إثم
العموم، يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه عَنِ الزِّنَا، قَالُوا:
الزنا حَرَامٌ، حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: "
لأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارَهِ"، قَالَ: "
عَنِ السَّرِقَةِ، ما تقولون؟"، قَالُوا: حَرَامٌ، حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: "
لأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشَرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ لَه مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ بَيْتِ جَارِهِ".
وقال عبد الله بن مسعود: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيّ ذنب أعظم؟ قال: "
أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ". قُلْتُ: ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ: "
أَنْ تُزَانِىَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ"، قُلْتُ: ثُمَّ أيّ؟: "
أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ".
وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن أذى الجار سبب لدخول النار، فقال أبو
هريرة: ذُكر للنبي -صلى الهذ عليه وسلم- امرأة ذكروا من صَلاَتِهَا
وَصِيَامِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِى جِيرَانَهاَ بِلِسَانِهَا، قَالَ: "
هِي فِي النَّار".
وذكروا له امرأة، فذكروا مِنْ قِلَّةِ صَلَاتِها وصِيَامِهَا، إلا
أَنَّهَا تَصَدَّقُ باِلأَثْوَارِ الأَقِطِ، وَلاَ تُؤْذِى جِيرَانَهَا،
قَالَ: "
هِي فِي الْجَنَّةِ".
وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن إيذاء الجار سبب للحرمان من الجنة، يقول -صلى الله عليه سلم-: "
لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ".
ونفَى الإيمان عنه بقوله: "
وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ! وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ! وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ!"، قالوا مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "
مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ: غدراته وخيانته".
وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن أول خصمين يقضى بينهما يوم القيامة الجاران، "
فإن الجار يخاصم جاره إنْ هو آذاه أو امتنع من الإحسان إليه".
أيها المسلم: وأذى الجيران يكون إما بالأقوال السيئة من قدح في
عرضه، واستطالة عليه باللسان، أو سوء الظن به، والتجسس عليه، أو مضايقته
عند الدخول والخروج، أو إلقاء القاذورات والأشياء عند بابه، أو رفع صوت ما
يؤذيه، أو يتخذ في داره ما يؤذي جاره، كل هذا من أنواع الأذى الذي يؤمر
المسلم بالبعد عنه.
أيها المسلم: هذه أخلاق الإسلام: دعوةٌ للفضائلِ والأخلاقِ
القيِّمة. إن الإسلام عظَّم أمر الجوار، وكان العرب في جاهليتهم يعظمون
الجار والجوار، ويفتخرون بثناء الجار عليهم، ويُظهرون من إكرام الجار الأمر
العجيب، فجاء الإسلام بهذا الخلق الكريم، وجعل الفضائل العظيمة لِمَن
أكْرَمَ الجار، والوعيد الشديد لمن أذى الجار؛ لأن هذه أخلاق الإسلام،
ليكون المجتمع مجتمعاً مترابطا متماسكا، لَبِنَات بعضُها فوق بعض، من صلةِ
رحم، وإكرام جار، وأخلاقٍ فاضلة.
هكذا المجتمع المسلم الذي أراده الله لنا، فلنكن على ثقةٍ بديننا،
وتمسُّكٍ بأخلاق إسلامنا، ولْنُمَثِّل الإسلام في الأقوال والأعمال.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (
وَاعْبُدُوا
اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً
وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي
الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ
السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ
كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) [النساء:36].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني إيَّاكم بما فيه من
الآيات والذكر الحكيم، أقولُ قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم
ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه وتوبوا إليه، إنَّه هو الغفورٌ
الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا
ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا
عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا
إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ: فيا أيُّها النَّاس، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله: لَقد صرنا في زمنٍ ضعُف التمسك فيه بكثير من أخلاق الدين
بيننا، وأصبح كلٌّ منا همّه نفسَه وذويه؛ لذا يجب أن تستقر سُنَّة محمد
-صلى الله عليه وسلم- في قلب المسلم، فهذه السنن حقٌّ وهدى يجب على المسلم
تطبيقها والعمل بها قدر الاستطاعة؛ لعلمه بصدق المتكلم بها: (
وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)
[النجم:3-4]، ولعلمه التام أن هذه الشريعة الإسلامية كاملة في عقيدتها
ومبادئها ونظمها، جاءت بما يحقق السعادة للبشرية في الدنيا والآخرة.
أخي المسلم: جارك أمانة في عنقك، فاتقِ الله فيه، أحسِنْ جواره،
عُدْهُ إن مريض، أقرضه إن استقرض، عُدْ عليه بالخير، انصحه، زره وتعاون
معه، زره وقت زيارة، وعُدْهُ وَزُرْهُ في منزلهِ إنْ رأيتَ منه تقصيرا في
الصلوات الخمس مع الجماعة، احرص على نصيحته وتوجيهه وتحذيره من التكاسل عن
الطاعات، إن رأيت عليه مخالفات في أخلاقه وسيرته، فبينك وبينه همسة في
أذنه، توجهه وتنصحه وتحذره من الجرائم والمصائب، إن رأيتَه فقيرا
مُعْوِزَاً فأحسِنْ إليه على قدر استطاعتك، وعد عليه بما ينفع، إن مرض
فعُده في مرضه، وكن معه كأخيه نصحاً وتوجيهاً ودعوة إلى الخير.
أيها المسلم: إن كنت ممن أذى الجيران وأساء إليهم فتدارَكْ نفسك،
وأحسِنْ إلى الجار، وبدِّل الإحسان بالإساءة، وكُنْ كما أمرك الله عبدا
مسلما ترجو ثواب الله: "مَ
نْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ"، "
مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فلا يؤذي جيرانه".
أخي المسلم: إن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- مثلوا الإسلام في
أقوالهم وأعمالهم، انتشر الإسلام على أيديهم، لا بالسيف المفرط على كل أحد،
ولا بالإزلال واحتقار الناس، ولكن رأى الآخرون منهم أخلاقا قيمة، وفضائل
عظيمة، وصفات حميدة، ساسوا الناس بالعدل، وساسوهم بالخلق الكريم، والفضائل
العظيمة، والعدل والإنصاف، فاعترفوا لهم بالفضل، ودخل الناس في دين الله
أفواجا عن قناعة ورضا بهذا الدين وبأخلاقه، اقتداءً بأولئك الرجال الأخيار
أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: إن أصحاب محمد -صلى الله
عليه وسلم- لما فتحوا البلاد العراقية والشامية والمصرية وساسوا الناس
بالعدل والدين، ورأى الناس من أخلاقهم وزهدهم وورعهم وتقواهم، وأن أقوالهم
تطابق أفعالهم، ولا تناقض بين القول والعمل؛ بل الأقوال والأعمال على حد
سواء، قال قائلهم: لو كان هؤلاء زمن عيسى كانوا حوارييه وأنصاره، لقد رأوا
من ذلك الراعي الأول ما جعل القلوب تنقاد إلى هذه الشريعة.
فما بالنا نفرط في هذا؟ لو أن المسلمين استغلوا وجود الوافدين غير
المسلمين إلى بلادهم للدعوة إلى الله، وتبيين أخلاق الإسلام وفضائله
ومحاسنة، وعاملوا الناس بالمعاملة الصادقة الخيرة التي دعا الإسلام لها،
لرأيت إسلام الفئات والمئات من الناس.
إن تقصير المسلمين أمر عظيم، تقصيرهم في دعوتهم إلى الله، وفي
تخليهم عن بعض أخلاق دينهم مما جعل الناس يعرضون عنهم، فلو صدقنا الله في
أقوالنا وأعمالنا، ودعونا إلى الله، ونشرنا أخلاق الإسلام؛ لكنا بهذا
سعداء، ولكنا بهذا دعاة إلى الخير والصلاح.
أيها المسلم: وسلف هذه الأمة مثلوا الإسلام صورة مشرقة حية في
دعوتهم إلى الله. الحافظ الذهبي -رحمه الله- المعروف بكتابته في تاريخ
الأمة الإسلامية، ذكر في أحد مؤلفاته قصة طريفة غريبة؛ ولكنها ليست غريبة
على أهل الدين والصلاح، لما ترجم لأحد عُبَّاد الأمة: سهل بن عبد الله،
وذكر فضائله ومناقبه.
لقد أشار في آخر الأمر إلى قضية واحدة، قال إن هذا الرجل المعروف
بالزهد والتقى والصلاح كان بجواره مجوسي، وكان هذا المجوسي -مع ما هو عليه
من الضلال- في بذاءة وعدوان وظلم، إلا أن هذا الرجل، سهل بن عبد الله،
تحمّل كل هذا الأذى، فكان هذا المجوسي يسلط كنيفه وقذره على المكان الذي
ينام فيه ذلك الرجل الصالح، فكان هذا الرجل الصالح يتلقى تلك القاذورات في
وعاء خاص، فإذا جن الليل ونام الأهل خرج إلى مكان الكناسة وألقى تلك
القاذورات ثم رجع ونام.
فلما مضت سنون على هذا العهد الطويل من تحمل الأذى والصبر، وحَضَرَه
الموت، قال: ادعو لي جاري المجوسي. قالوا له: ما شأنك به؟ قال: ادعوه؛
أريده، فلما جاءه قال له: يا فلان، أترى هذا المكان الذي تراه وكنتُ أتقبل
فيه أذاك عشرين عاما صابرا محتسبا، آخُذُه بالليل وأُلقِيه، ما يعلمه أحد
حفاظا على كرامة الجار، ولولا أنه حضرني ما حضرني من قرب أجلي، وانتقالي من
الدنيا، وخوفي أن أبنائي لا يتحملون ما أتحمل، ولا يصبرون على ما أصبر
عليه، لولا ذلك لما بلغتك.
قال: يا شيخ، وهل علمت بي؟ قال: علمت بذلك، قال: لماذا لم تعلمني،
قال: خشية أن لا تقبل مني، أو يطلع أحد من أهل بيتي على ذلك، قال: لماذا؟
قال: إن ربنا ونبينا أوصانا بالجار خيرا، والإحسان إلى الجار، فأنا أحسنت
إليك طاعة لله، ثم طاعة لعبد الله ورسوله محمد، قال: يا شيخ، افرد يدك فإني
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.
هكذا أخلاق الإسلام، وهكذا الصورة الحية لأولئك الرعيل الأول الذين
نشروا الإسلام بأقوالهم وأعمالهم وسيرتهم الفاضلة، فرضي الله عنهم ورضوا
عنه، فواجبنا جميعا الدعوة إلى الله، ونشر أخلاق الإسلام ومحاسنه بصدق
وأمانة، نطبقه على أنفسنا وواقعنا ومَن تحت أيدينا؛ لنكن مثلا حيا للإسلام
في الأخلاق والأعمال.
إن من المؤسف له أن أبناء المسلمين عندهم انهزام في أنفسهم، وتثاقل
في نشر فضائل دينهم، وهذا كله من الانهزامية التي لا خير فيها، فواجب
المسلم الدعوة إلى الله في كل مجال للحياة.
أسال الله أن يوفقني وإياكم لما يحيه ويرضاه، وأن يجعلنا وإياكم من
المتَّبِعين لهدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، إنه على كل شيء قدير.
واعلموا -رحمكم الله- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي
هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ
ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ
شذَّ في النار.
وصَلُّوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمد، كما أمركم بذلك
ربكم، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ
اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر، وعمرَ،
وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين،
وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك
وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، اللَّهمّ
وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبد الله بنَ عبدِالعزيزِ لكل خير،
اللَّهمَّ سدده في أقواله وأعماله، اللَّهمَّ بارك له في عمره وعمله،
اللَّهمَّ اجعله بركة على نفسه وعلى مجتمع المسلم، اللَّهمَّ أعنه على كل
مهماته، اللَّهمَّ سدده في أقواله وأفعاله، واجعله موفقاً للخير أين كان،
وحيث كان.
اللَّهمَّ شُدَّ أزره بولي عهده سلمان بن عبدِ العزيزِ، ووفِّقْه لصالح القول والعمل، وأعِنْه على مسؤوليته، إنَّك على كل شيء قدير.
اللَّهمّ انصر عبادك المجاهدين، اللَّهمَّ سدد خطاهم، اللَّهمَّ
اجمع كلمتهم، اللَّهمَّ ألقِ الرعب في قلوب أعدائهم، إنك على كل شيء قدير، (
رَبَّنَا
اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا
تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ
رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10]، (
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23]، (
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201].
عبادَ الله: (
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم،
واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولَذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ
ما تصنعون.
[u][u][/u][/u][u][u][u][/u][/u][u][u][u][/u][/u][/u][/u]