الشاهد يرى ما لا يرى الغائب
بضوء المتغيرات والإنجازات العلمية التي تلاحق كل المجتمعات وفي كل المجالات، لم يعد بالإمكان تجاهل تأثير ذلك التقدم في مجالات الحياة ( وسائل الاتصال المختلفة، القنوات الفضائية، و آخر المبتكرات العلمية، ضغوط العمل )التي تركت بصماتها على نمط العلاقات الاجتماعية الأسرية وعلاقة الأسرة بالمجتمع، ولم يكن هذا التأثير ليظهر بصورة مفاجئة بل اخذ بالنمو والانتشار والتأثير بضوء تفاعل المجتمعات مع كل جديد ليصبح بالنتيجة ضرورة من ضروريات الحياة.وكانت العائلة أحد أهم المتأثرين بكل وافد جديد في حياتهم(تلفزيون، فيديو، العاب،كومبيوتر، انترنيت)، ونعتبر العائلة اصغر نواة اجتماعية متكاملة تربط أفرادها رابطة مقدسة تعلو بها إنسانيتها وروحية الألفة والمحبة بين أفرادها إلى درجات الرقي بسلم التكوينات الحلقية لتواجد الأنواع ، وتسمو بها تلك العلاقة الرائعة عن حيوانية التجمعات العشوائية. وقوة العلاقة بين أفراد الأسرة وأقطابها (الوالدين /الأبناء)، تعكس قوتها بصورة حتمية على البناء المتكامل للمجتمع،بل أن العائلة تؤثر وتتأثر بالمجتمع والعائلة تعيش وتنمو في رحم المجتمع وتتفاعل معه بكل أفرادها، و محور تلك العلاقة الأسرية هو قدرة التفاعل والتوجيه والدراية النفسية بضوء المتغيرات البيولوجية التي يمر بها الأبناء ، والعمل على المساهمة بتنشئة الأبناء تنشئة إسلامية علمية تحقق أهداف المجتمع وتعطي الفرد الدور المناسب من خلال هذا التفاعل. وان لكل فرد في الأسرة حقوق وعليه واجبات تتناسب مع قدراته ولا تبتعد عن مجمل الأهداف الاجتماعية بحيث لا تقف الحقوق والطموحات حجر عثرة في التلاحم الأسري والاجتماعي.
ولكن قد تطفو بعض التصرفات التي تحتم علينا الوقوف عليها ودراسة مسبباتها ، ويحق لنا القول أن أي تأثير يتعرض له الأبناء ويقتبسون من جملة ما يردهم لا يأتي من فراغ، ولنا الحق بالتعمق في رصد الظواهر التي تطفو على سطح العلاقات الاجتماعية بين أفراد العائلة من جهة ومع المجتمع من جهة أخرى،ولا يمكن رصد هذه الظواهر إلا من خلال حضور فعلي تفاعلي من قبل الوالدين، حضور يستوعب كل المعطيات ويتعمق بالتحليل والمتابعة والدراسة واستشارة ذوي الخبرات السابقة وتقبل الإيجابيات والعمل على إلغاء كل ما هو سلبي( تفكير وفعل) مع أهمية مد جسور المحبة وإيجاد لغة مشتركة مع الأبناء وإلغاء التعامل الفوقي الذي يردد بعض الأوامر دون توضيح ، فحضور الوالدين في حياة الأبناء ليكونوا قدوة سلوكية من جانب ويكونوا أحد أهم دارسي النمو في سلوك الأبناء ومعرفة المتغيرات السلوكية ، مع أهمية إلغاء الهامشية في تلك العلاقة بل الوصول بها إلى مستوى التفاعل والتكامل الأسري، فالمناقشة داخل الأسرة والوقوف على تطلعات الأبناء المشروعة ومعرفة الدوافع التي تحرك سلوكهم تساهم في بناء الأسرة بصورة صحيحة، وهذه بحد ذاتها حلقة دراسية مصغرة تعني بشؤون الأسرة ومستقبلها، فالأب/ألام الغائب عن الحضور المؤثر سيترك خيار التعامل مع الصور المهتزة التي ترد الأبناء من كل العوامل الدخيلة تكون هي الخيار الوحيد، فالأب / ألام الذي لا يشاهد ما يدور في داره ولا يعرف ما هي الأنماط السلوكية التي يمارسها الأبناء سيكون إنسان لا يرى إلا ما يسره فقط..
إن الأبناء يمتلكون كل مقومات البناء النفسي والنمو المعرفي ،ولهم القدرة على المتابعة والرغبة في التلاحم الأسري ولكن تموت عندهم كل خطوة للتقدم في حالة عدم العثور على الإجابة الصريحة والصحيحة، فتساؤلات الأبناء ليست لها حدود والإجابات عليها متباينة ومصادرها مختلفة، فلنكن نحد مصدر الإجابة وإلا كان غيابنا عنهم عامل من عوامل الإعاقة في تفاعلهم معنا ومع المجتمع.لذا اصبح لزاما علينا أن نكون تأريخا مشتركا للأسرة يتذكر من خلاله الأبناء كل صور التكوين السليم والمشاركة الفاعلة للوالدين، وليرتوي الأبناء من مصدر النبع الصافي.