قارئي الكريم : قلت لك منذ البداية إنني طبيب في الأمراض النفسية ، وهذا العمل يتيح لي مشاهدة الوجه الآخر لمجتمعاتنا ، والاتصال بأصناف متعددة من الناس رجالا كانوا أو نساء ، ومن طبيعة الذين يعملون في مثل هذه الاختصاصات الاهتمام بمشكلات الناس ، وقد يسير أحدهم في الشارع فتلفت انتباهه أمور لا يهتم بها المارة . وكم أتمنى أن يهتم العلماء والدعاة بمثل هذه القضايا ويقدموا لها الحلول الناجعة ، وسيكون دورهم أهم من دور الأطباء ورجال الأمن ، لأن مخالفة تعاليم الإسلام من أهم العوامل التي أدت إلى نشوء مثل هذه الأمراض . وقد حرصت على ذكر هذه المقدمة حتى لا يستغرب القارئ ما أذكره له من أحداث ، وبشكل أخص زيارة النساء لنا في العيادة ، والاستماع إلى مشكلاتهن ، ولا علاج بدون الاستماع إلى هذه المشكلات ومناقشتها . وبعد هذه المقدمة أعود إلى الحديث عن المرأة الغربية والزواج فأقول : كنت أستغرب عند بداية إقامتي في بريطانيا أن المرأة هي التي تنفق على الرجل ، وكنت أشاهد هذه الظاهرة عندما أركب القطار ، أو أدخل المطعم ، إذ ليس في قاموس الغربيين شيء اسمه (كرم ) .وبعد حين زال هذا الاستغراب ، وأخبرني المرضى عن أسباب هذه الظاهرة ، وفهمت منهم أن الرجل لا يحب الارتباط بعقد زواج ، ويفضل ما أسموه [ صديقة ] والمرأة تسميه [ صديقا ] وليس هو أو هي من الصدق في شيء ، وكم أساءوا لهذه الكلمة النبيلة ، فالصديق يعني الصدق والمحبة المروءة والنخوة والكرم والوفاء ، وما إلى ذلك من معان طيبة كريمة . والصديق عندهم يعيش مع امرأة شهورا أو سنين ، ولا ينفق عليها ، بل هي التي تنفق عليه في معظم الحالات ، وقد يغادر البيت متى شاء ، أو يطلب منها مغادرة بيته ، إن كانت تعيش معه في بيته ، ولهذا فالمرأة عندهم تعيش في قلق وخوف شديدين ، وتخشى أن يرتبط صديقها [!!] بامرأة ثانية ويطردها ، ثم لا تجد صديقا آخر . وكما يقولون (بالمثل يتضح المقال ) فلسوف أختار مثالا واحدا من أمثلة كثيرة تبين وضع المرأة عندهم . رأيت في عيادة الأمراض النفسية امرأة في العشرينات من عمرها ، وكانت حالتها النفسية منهارة ، وبعد حين من الزمن أصبحت تتحدث عن وعي ، فسألتها عن حياتها فأجابت ، والدموع تنهمر من عينيها ، قالت : مشكلتي الوحيدة أنني أعيش بقلق واضطراب ولا أدري متى سينفصل عني صديقي ، ولا أستطيع مطالبته بالزواج مني ، لأنني أخشى من موقف يتخذه ، ونصحت بالعمل على إنجاب طفل منه ، لعل هذا الطفل يرغبه في الزواج مني ، وهاأنت ترى الطفل ، كما أنك تراني لا ينقصني جمال ، ومع هذا وذاك فأبذل كل السبل ، من تقديم خدمات ، وإنفاق مال ، ولم انجح في إقناعه بالزواج ، وهذا سر مرضي وسبب قهري . إنني أشعر أنني وحدي في هذا المجتمع ، فليس لي زوج يساعدني على أعباء الحياة ، ولي أهل ولكن وجودهم وعدمهم سواء ، وليتني بقيت بدون طفل لأنني لا أريد أن يتعذب ويشقى في هذه الحياة كما تعذبت وشقيت . وهذه المرأة المريضة ليست من شواذ المجتمع الغربي ، بل الشواذ هم الذين يعيشون حياة هادئة .. ومع ذلك ينقد الغربيون مجتمعاتنا الإسلامية ، ويزعمون بأن المرأة تعيش في بلادنا حياة بائسة محزنة ، ونحن لا يهمنا رأي الغرب بنا ولا نطلب منه حسن سلوك ، ولكن نريد من نسائنا أن يحمدن الله سبحانه وتعالى على نعمة الإسلام ، فلقد كانت في الجاهلية ذليلة مهينة ، وجاء الإسلام ليرفع مكانتها ، وبفضل من الله تعالى أصبح الرجل يبحث عن المرأة ، ويطلب الزواج منها ، وهي قد تقبل وقد ترفض ، ولأهلها دور كبير في أمر زواجها ، وسواء كانت عند زوجها أو في بيت أبيها ؛ فهي عزيزة كريمة والرجال هم الذين ينفقون عليها ، بل والذي نشكو منه في بلادنا الغلو في المهور ، والتكاليف الباهظة التي تفرض على الرجل حتى يحصل على زوجة . قال تعالى { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين } الحجرات آيه 17