ثمه سؤال يقض مضجعي و أقضي دقائق يومي الأخيرة أداعب ذيوله وأتتبع أطرافه دون جدوى...
هل دماغ الانسان الذي استغرق ثلاثة ملايين من السنين ليخترع الكتابة، قادر على تحمل تلك الكمية الهائلة من المعلومات التي أحدثتها تطورات العقد الماضي..؟؟ و ما هي النتائج البعيده المدى عن ذلك...؟ هل نحن في مرحلة حضانة سوف تفرّخ أمراضاً عصبية و نفسية و عضوية جديدة في المئة عام القادمة؟؟؟
ظهر الانسان الأول على سطح الأرض حسب معلومات الجيولوجيين منذ قرابة ثلاثة ملايين من السنين و قد سبقته البرمائيات و الزواحف في الظهور....و يعزى استمرار الانسان الى ذكائه الذي مكنه من البقاء....
3 ملايين عام مرت قبل أن يتمكن دماغ الانسان من اختراع الكتابة التي تمت عام 3200 قبل الميلاد, و بعدها عرفنا شيئاً عن تطور هذا الكائن و المراحل ا لفكريه التي مر بها ...
حدثت الثوره الصناعيه و اخترع المحرك البخاري في انكلترا في أواخر القرب السادس عشر , وتلاه سلسلة من الاختراعات قادت الى اكتشاف الكهرباء و الالكترون....
تسارعت وتيره الاختراعات أثناء الحرب الكونية الثانية لأغراض حربية و تلتها الحرب البارده و التهافت الى الفضاء و استخدمت نتائج الاختراعات في أغراض سلمية كالليزر و الأمواج فوق الصوت..
أتانا العقد الماضي بالانترنت,و شبكات تلفزة الأقمار الاصطناعيه التي تبث أخبار العالم صغيرها و كبيرها من كل انحاء الأرض...
تجلس على كرسيك عند المساء لتنقل بين 500 محطة.. تنقل لك عرساً في الهند وفيضاناً في بنغلادش و سباقاً للديوك في المكسيك و أخباراً عن ضحايا التسونامي و زلزالاً في إيران و مجازر العراق ومظاهرات بيروت , وتوزيع الاوسكار...و زفاف البرنس تشالز و الخ.....
وقبل النوم تطل علينا الانترنت لتنقل ما فاتنا من أخبار عالمية و تزيد عليها الأخبار الشخصية و المحلية , فتقلب رسالة من صديق في دبي وآخر في سدني و ثالث في باريس وأ خبار بنات الحاره و فرار بنت الجيران مع حبيبها وصور حفله عرس صديقك و حال الطقس و صور الأقارب و الأصدقاء....
عدا عن تسارع وتيرة الأحداث، ما يميز زمننا هذا أيضاً هو موزاييكيه، الانفعالات و تقلبها الآني بين اللحظه والأخرى فتختلف بحسب ما تراه العين و تسمعه الأذن من أخبار، بعضها مفجع و بعضها مفرح، منها ما يشوق و منها ما يقزز وكله في ثوان،البسمة قد تلي الدمعة بحسب رقم المحطة.
على نقيض الحال وفي زمن ليس بالبعيد كان أجدادنا يحزنون على خبر وفاة صديق لأسابيع ويفرحون لفرح قريب لأيام وبين الخبرين فاصل زمني وبطىء في النقل ناهيك عن محدودية المعلومات المتوافرة بما يؤهل الدماغ للتكيف مع الانفعال المطلوب بشكل يناسب تطوره الفيزيولوجي.
عشية الحادي عشر من ايلول 2001 غصت غرفة الاسعاف في المشفى الذي أعمل فيه بحالات من القلق و نوبات الهلع لأناس ليس لديهم أية سوابق نفسية..مشهد الطائرات التي التطمت بتلك الأبراج كان أكبر من يتصوره عقل البعض مما دفعهم الى شفير الانهيار النفسي...و تكرر الشيء نفسه من مشهد أمواج التسونامي تلتهم شواطىء آسيا....
الانفعال هو انعكاس تركيز وسائط عصبية هرمونية في الدماغ كالسيروتونن و الدوبامين و هي في وضع توازن دقيق....ترى ما تأثير تلك التقلبات السريعه على مزاج الانسان و سلوكه على المدى البعيد ..؟
حدث كل ذلك التغيير في عقد أو إثنين , فترة تبدو كأقل من ثانية مقارنة بثلاثة ملايين من السنين سبقت اختراع الكتابة....و أربعة آلاف عام من اختراع الكتابة حتى اختراع الكهرباء...
ترى هل دماغنا مهيأ للتكيّـف مع تلك الثورة المعلوماتية ؟؟ ,وهل المشابك العصبية الحسية و الحركية و مراكز الانفعال و الشعور و الذاكرة والوسائط العصبية توفر لها الوقت الكافي للتطور و النمو بما يؤهلها لاستيعاب ذلك الانفجار المعلوماتي؟؟
منقول عن الدكتور رامي بديع قحوش
مجاز من هيئة البورد الامريكية
دمتم بود