لثلاثة عقود خلت، وبالتحديد منذ السبعينات. عندما اكتشف العالم البريطاني دينيس بيركين فوائد النظام الغذائي الغني بالألياف على الصحة العامة للإنسان، تبارى العلماء حول العالم في إنارة جوانب فيما غمض عن تأثيرات الألياف صحياً. لكن دراسة أجريت مؤخراً أحدثت صدمة في الوسط الطبي إذ تبيّن من خلال تجارب أجراها مجموعة من الباحثين أن الألياف ساهمت في زيادة بعض التورمات في الأمعاء، والتي وإن لم تكن خبيثة، إلاّ أنها تحمل إمكانية السرطنة على المدى الطويل.
وقد حفزت هذه الدراسة - الصدمة العلماء حول العالم على إجراء مزيد من الأبحاث حول الألياف وتأثيرها في منع السرطنة أو زيادتها، وأبرزها دراسة أجرتها هيئة بحوث السرطان في بريطانيا بإشراف الدكتور تيم كاي الخبير في الهيئة. وخلصت الدراسة التي نشرت على الإنترنت إلى أن الألياف الطبيعية المتوفرة في الغذاء اليومي كالفواكه والخضر والحبوب الكاملة بريئة من كل ما نسب إليها، وأن المتهم المشكوك فيه هو تلك الألياف الإصطناعية التي تؤخذ بشكل حبوب يتناولها أولئك الذين لا يستهلكون الكمية الكافية من الألياف في غذائهم.
علماً أن كثرة استهلاك حبوب الألياف الإصطناعية تعيق امتصاص بعض اليتامينات والأملاح المعدنية كالحديد والمغنيزيوم والكالسيوم والزنك.
أكثروا الألياف في غذائكم وتجنّبوا أمراض العصر
الألياف هي فضلات الأغذية النباتية (أنسجة) ولا قيمة غذائية لها على الإطلاق، فالجسم لا يهضمها ولا يمتصها بالتالي لتدخل في دورة الغذاء، لكن في المقابل نجد أن للألياف دوراً بارزاً في عملية المرور المعوي، أي في تخليص الجسم من فضلاته بطريقة أسرع. وتعمل الألياف على امتصاص الماء فتنتفخ وتساهم في تنظيف جدران الأمعاء من الفضلات العالقة وتسرّع عملية إخراج الفضلات عبر وزنها الذي يحثّ الأمعاء على إفراغ تلك الفضلات.
وتوجد أنواع عديدة من الألياف، يلعب كل منها دوره في عملية المرور المعوي، و"الأمسليلوز" الذي يتواجد في الحبوب (خصوصاً النخالة الكاملة والحنطة) أكثرها فعالية في المرور المعوي لأنه يمتص الماء بنسبة أكبر من غيره. أمّا "السيليلوز" فنجده في الفواكه والخضر وهو الأكثر توافراً في الطبيعة. وهناك "البكتين" الذي نجده في الحمضيات والتفاح و"اللينين" الموجودة في ثمار الموز والأجاص والخوخ والهليون والكراث.
وتنقسم الألياف بأنواعها كافة وفق عنوانين رئيسيين. فهناك الألياف القابلة للذوبان الموجودة عموماً في البقوليات كالحمص والفول والعدس والفاصوليا، وفي الفاكهة كالتفاح والأجاص والكرز والبطيخ والشمام والمشمش والخوخ والدراق، وفي الخضر كالملفوف والقنبيط والسبانخ واللوبيا، والكوسى والباذنجان والبقدونس وبعض الحبوب كالشعير والشوفان.
وهناك أيضاً الألياف غير القابلة للذوبان وهي التي تؤلف غلاف الحبوب كنخالة القمح والأرز والبقوليات.
ويعمل النوع القابل للذوبان على امتصاص الماء داخل المعدة، فيعطي إحساساً بالشبع فيحارب الإمساك ويساعد في عملية تخفيض الوزن، كما يساهم في خفض نسب الكوليستيرول والسكر في الدم.
أمّا النوع غير القابل للذوبان فيسهّل عملية التبرز ويمتص الأوساخ داخل الأمعاء معالجاً بذلك مشاكل الإمساك والبواسير ويقي من الأورام السرطانية التي يمكن أن تفتك بالمصران.
أكثروا الألياف في غذائكم وتجنّبوا أمراض العصر
وتؤكّد إختصاصية التغذية اللبنانية كارلا مراد ضرورة استهلاك نحو 35 غراماً من الألياف يومياً عن طريق استبدال الخبز الأبيض بالأسمر وتناول الأرز الأسمر والمعكرونة السمراء مرة في الأسبوع على الأقل. وتنصح باستهلاك الفاكهة بقشرتها بدلاً من عصرها وبإدخال صحن من السلطة مع الوجبتين الرئيسيتين يومياً وتناول طبق من البقوليات أو اليخنات مرتين أو أكثر في الأسبوع.
علماً أن الغذاء اليومي في العصر الحديث، خصوصاً في المدن، هو أفقر خمس مرات بالألياف منه منذ مئة عام.
وإلى فوائدها في تحسين المرور المعوي ومحاربة الإمساك، خلص العلماء إلى أن للألياف تأثيرات أخرى تشكّل الأساس لغذاء متوازن حتى لأولئك الذين لا يعانون الإمساك.
ويعتقد الباحثون أن للألياف قدرة بارزة في تخفيض مستوى الكوليستيرول، بعدما تبيّن أن النباتيين الذين يعتمدون نظاماً غنياً بالألياف تكون نسبة الكوليستيرول لديهم أقل من الذين يتناولون غذاء عادياً.
وتفيد الألياف في منع تكوّن حصى المرارة المؤلفة غالباً من الكوليستيرول. ويوصي الأطباء المرضى المصابين بحصى المرارة بإتباع نظام غذائي غني بالألياف.
أمّا الإلتهاب المعوي وهو مرض يصيب الأمعاء في النصف الثاني من العمر، فهو يصيب فقط الأشخاص الذين لم يكن نظامهم الغذائي غنياً بالألياف بشكل كافٍ.
وأثبتت الدراسات وجود علاقة بين تناول الألياف والوقاية من سرطان القولون وسرطان الشرج وسرطان المستقيم وسرطان الثدي. علماً أن الألياف وحدها ليست مضادة للسرطان، لكن بعض النباتات الغنية بالألياف تحتوي على مواد كيميائية مضادة للسرطان.
علماً أن النظام الغذائي الغني بالألياف هو عملياً نظام غذائي قليل الوحدات الحرارية، وتقول بعض النظريات الطبية التي لم تثبت بشكل كامل بعد أن زيادة الوحدات الحرارية تزيد من إفراز الهرمون الذي يسبّب الإلتهاب في الكلي ممّا يؤدي إلى تكوّن الأورام الخبيثة.
وتؤكّد المنظمة الأميركية لمكافحة السرطان أنه إذا استهلك كل شخص خمس حصص من الفاكهة والخضر ينخفض لديه إحتمال الإصابة بالسرطان بنسبة عشرين في المئة وأكثر.
غير أن للألياف بعض التأثيرات الجانبية إذ أن كثرتها قد تؤدي إلى الإمساك إذا لم تكن مرفقة بكمية كافية من المياه. كما أن بعض الأشخاص يصابون بالنفخة والغازات جراء تناول الألياف بكثرة.