السلام عليكم ورحمة الله
هذه بعض أرادات ونصائح للعلامة الشيخ الفقيه المحدث عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله
المفتي المملكة السعودية سابقا
ليس النصح بالتشهير (1)
الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله , وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه . .
أما بعد :
فإنني أشكر الله عز وجل على ما من به من هذا اللقاء بإخوة في الله للتناصح والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه . ومعلوم أن الله جل وعلا خلق الخلق ليعبدوه , ولم يخلقهم سدى , ولا عبثا , ولا باطلا , ولكنه خلقهم ليعبدوه ويعظموه ويمسكوا بشرعه . ووعدهم على ذلك في الدنيا النصر والتأييد والمغفرة والأمن في الأوطان , والهداية إلى الخير , ووعدهم في الآخرة جزيل الثواب , وعظيم النعم يقول الله سبحانه : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (2) { مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ } (3) { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } (4)
والله سبحانه وتعالى خلق الخلق للعبادة , والعبادة هي الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم . ورأسها توحيد الله واتباع شريعته ,
__________
(1) كلمة ألقاها سماحة الشيخ في اللقاء المفتوح بجدة في فندق ماريوت مساء الأربعاء 25 \ 7 \ 1412 هـ ونشرت في الصحف المحلية ومنها المدينة يوم السبت 28 \ 7 \ 1414 هـ .
(2) سورة الذاريات الآية 56
(3) سورة الذاريات الآية 57
(4) سورة الذاريات الآية 58
(7/302)
وترك ما نهى الله عنه من الشرك , وسمى الله طاعته وتوحيده عبادة لأن العبادة هي الذل والخضوع واتباع الأمر .
ولهذا يقال طريق معبد أي مذلل . فالعبادة هي طاعة الله ورسوله عن ذل لله وخشوع وخضوع وإنكسار يرجو العبد رحمة ربه , ويخشى عذابه تعالى .
وأصلها وأساسها توحيد الله والإخلاص له من العبد في جميع عباداته : في دعائه وخوفه ورجائه وصومه وصلاته وذبحه ونذره . وغير ذلك من أنواع العبادة كما قال تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } (1) وقال سبحانه : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } (2) ويقول سبحانه : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } (3) وهذا معنى لا إله إلا الله ؛ لأن معناها لا معبود حق إلا الله .
فهي تنفي العبادة بحق عن غير الله , وتثبتها بحق لله وحده , فجميع المعبودات غير الله من أصنام أو أحجار أو قبور أو ملائكة , أو أنبياء أو غير ذلك كلهم معبود بالباطل , والمعبود بحق هو الله سبحانه وتعالى , كما قال عز وجل : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ } (4) وهذا هو معنى لا إله إلا الله : معناها توحيد الله , والإخلاص له , والاعتقاد أن العبادة حق الله جل وعلا , لا شريك له في ذلك ,
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة الفاتحة الآية 5
(3) سورة البينة الآية 5
(4) سورة الحج الآية 62
(7/303)
مع الشهادة بأن محمدا عبده ورسوله , وهو خاتم الأنبياء وأفضلهم , مع الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله . ومعنى ذلك : الإيمان بالرسل جميعا , والتصديق بما أخبر الله به ورسوله من البعث والجنة والنار , والحساب والجزاء كل ذلك داخل في الإيمان بالله .
فعلى كل مكلف أن يؤمن بالله ورسوله , وأن ينقاد لشرع الله , وأن يخلص لله في العبادة دون ما سواه , وأن يحذر ما نهى الله عنه من قول وفعل وعقيدة , هذا هو دين الله , وهذا هو الإسلام .
والله يقول : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } (1) هذا هو الإسلام : الانقياد لله والعبادة لله , والانقياد لشرعه , وترك ما نهى عنه . ورأس ذلك توحيد الله والإخلاص له , كما قال تعالى عن عباده الصالحين من الأئمة والأخيار : { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا } (2)
فعلى جميع المكلفين من جن وإنس أن يعبدوا الله بحق , وأن ينقادوا لشرع الله , ويتواصوا بالحق والصبر عليه , وأن يتناصحوا . فالدين النصيحة , وأن يتعاونوا على البر والتقوى , كما قال تعالى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } (3) ويقول جل وعلا :
__________
(1) سورة المائدة الآية 3
(2) سورة الأنبياء الآية 90
(3) سورة المائدة الآية 2
(7/304)
{ وَالْعَصْرِ } (1) { إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ } (2) { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } (3)
هؤلاء هم الصالحون , وهم السعداء والبقية خاسرون . فجميع العباد من جن وإنس لا نجاة لهم , ولا سعادة إلا بدين الله تعالى , والعمل الصالح وأداء فرائض الله , وترك نواهيه , والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى , والتواصي بالصبر , ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لأنه من التواصي بالحق . وعلى الإنسان أن يعرف قدر هذه النعمة التي خلق لها , فهي نعمة عظيمة , بل هي أعظم نعمة , وأكبر نعمة , وهي نعمة الإسلام .
فكون العبد قد هداه الله للإسلام فهي أكبر نعمة أسبغها الله عليه , فيجب أن يعرف فضل هذه النعمة , وأن يشكر الله عليها كما قال تعالى : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } (4) وفضل الله هو الإسلام ورحمته أن جعلك من أهله , ثم إن من فضل الله ورحمته أن ولي أمر هذه البلاد حكومة إسلامية ترعى أمر الدين والدنيا , وأمر الأمن , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحكيم شريعة الله , وتنهى عما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم .
ولا شك أن هذه من نعم الله العظيمة , وهذا الأمر بحمد الله هو الأصل الذي درجت عليه هذه الدولة وأسلافها , ودرج عليه علماء المسلمين في هذه البلاد منذ عهد الشيخ محمد بن عبد الوهاب
__________
(1) سورة العصر الآية 1
(2) سورة العصر الآية 2
(3) سورة العصر الآية 3
(4) سورة يونس الآية 58
(7/305)
رحمه الله , وعهد الإمام محمد بن سعود رحمه الله , فالدعوة إلى الله وإلى توحيده والتواصي بالحق والصبر عليه هو منهج هذه الدولة وأسلافها ومنهج علمائها في الشدة والرخاء في جميع الأحوال , فالواجب شكر الله على هذه النعم والتواصي بالثبات عليها والدعوة إليها بين العلماء والأمراء والأغنياء والعامة والخاصة .
هذه كلها نعم , يجب أن نتواصى بشكرها والاستقامة عليها والدعوة إليها وأن نتعاون على البر والتقوى , وأن نتواصى بالحق والصبر عليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى سبيله سبحانه كما أمر جل وعلا في قوله : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (1)
فالنصح يكون بالأسلوب الحسن والكتابة المفيدة والمشافهة المفيدة , وليس من النصح التشهير بعيوب الناس , ولا بانتقاد الدولة على المنابر ونحوها , لكن النصح أن تسعى بكل ما يزيل الشر ويثبت الخير بالطرق الحكيمة وبالوسائل التي يرضاها الله عز وجل , ونحن في نعمة عظيمة نعمة الإسلام , ونعمة الأمن , ونعمة الصحة والعافية , ثم النعمة الكبرى التي من الله بها علينا في حادثة الخليج بعد عدوان عدو الله صدام وجنده واجتياحه لبلد الكويت , ثم يسر الله للدولة أن قامت بدورها في هذا الأمر وقامت بجهود عظيمة لرفع هذا الظلم واستعانت بالله العظيم ثم بالجنسيات المتعددة , التي ساعدت في رفع هذا الظلم .
__________
(1) سورة النحل الآية 125
(7/306)
وكان هذا من توفيق الله وهدايته سبحانه أن جمع جموعا كبيرة ضد الظلم والعدوان حتى قضي على الظلم والعدوان , وحتى قضى الله على الظالم , وحتى رجع المظلومون إلى بلادهم , فهذا من نعم الله العظيمة .
فعلينا أن نشكر الله على نعمه العديدة , وأن نتفقه في الدين , وأن نتعاون على البر والتقوى , وأن نتناصح في دين الله , وأن نتواصى بالحق والصبر عليه , وأن نحمد الله على جميع نعمه .
وعلى الدولة والعلماء والعامة شكر الله والقيام بحقه , والتواصي بطاعته , وأن نستقيم على أمر الله , وأن نعالج أنفسنا . فما كان مما يرضي الله شجعناه , وقمنا بالسهر عليه , وما كان مما يغضب الله جل وعلا ابتعدنا عنه , وحذرنا الناس منه .
فالدولة عليها واجبها في ترك ما حرم الله , والقيام بما أوجب الله والعناية بشرع الله , وعلى العلماء والأمراء واجبهم في الدعوة والبيان والترغيب والترهيب , وعلى جميع الناس من الأغنياء والأعيان والشركات وسائر الناس , على كل واحد منهم واجب الدعوة إلى الله بالنصيحة ومحاسبة النفس , وجهادها حتى يكون كل واحد قدوة صالحة في طاعة الله ورسوله , وهذا هو الواجب على الجميع , وليس على الدولة وحدها . فالدولة واجبها تقوى الله والقيام بحقه , وترك ما نهى الله عنه , والسير على النهج السليم , وردع الظالم عن ظلمه بالطرق الشرعية .
وكل إنسان عليه أن يحاسب نفسه , ويتقي الله ويؤدي الأمانة ,
(7/307)
ويحذر الظلم والعدوان ويجتهد في طاعة الله وطاعة رسوله , مع التواصي بالحق والصبر عليه . هذا واجب الجميع الأغنياء والفقراء , والأمراء والدولة والعلماء , كل واحد منهم عليه واجبه , يقول الله سبحانه : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } (1)
وهذا هو الواجب على جميع المؤمنين والمؤمنات لقول الله سبحانه وتعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } (2) كلهم أولياء فلا يغتب بعضهم بعضا , ولا يشهد عليه بالزور , ولا يظلمه , ولا يدعي عليه الدعاوى الباطلة حكامهم ومحكوموهم , وعلماؤهم وغيرهم , كلهم مقصرون إذا لم يتناصحوا ويتعاونوا على البر والتقوى , ويستقيموا على دين الله قولا وعملا , ويلزموا التوبة إلى الله سبحانه .
ثم قال سبحانه : { يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } (3) أي يكونون أولياء فيما بينهم بالنصيحة والتوجيه , والأمر بالمعروف , والبعد عن أسباب الفرقة والاختلاف والشحناء والغيبة والنميمة , وسائر ما حرم الله في الكتاب والسنة .
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الواجبات , ومن أعظم فرائض الإسلام وليس خاصا بالبعض , بل واجب علي المؤمنين والمؤمنات جميعا , كما قال عز وجل : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (4)
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) سورة التوبة الآية 71
(3) سورة التوبة الآية 71
(4) سورة التوبة الآية 71
(7/308)
فأوضح سبحانه في هذه الآية أن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض , لا فرق بين أمير ومدير وعالم وغيرهم وذكر وأنثى من المؤمنين والمؤمنات فكل واحد منهم عليه واجبه على حسب علمه واستطاعته .
والله سبحانه وتعالى يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } (1) وعليهم أن يشكروا الله عز وجل أنهم في بلد آمن , ودولة إسلامية تنصح لله ولكتابه ورسوله وعباده , وتأمر بالمعروف , وتنهى عن المنكر , وتحكم شرع الله في عباده . ويستطيع كل فرد أن يؤدي فرائض الله ويبتعد عن محارمه سبحانه , ويتواصى مع إخوانه بالحق والصبر عليه , في أمن وعافية .
فأسأل الله سبحانه أن يصلح حالهم جميعا , وأن يصلح قادتهم , وأن يوفق جميع حكام المسلمين للحكم بشريعة الله والقيام بها , والتواصي بذلك . كما أسأله أن يصلح ولاة أمرنا وعلى رأسهم خادم الحرمين الشرفين , وأسأله سبحانه أن يوفقهم جميعا لما فيه رضاه , وأن يعينهم على شكره وذكره , وأن يصلح لهم البطانة , وأن يوفقهم لكل خير , وأن يبعدهم عن كل شر , وأن يجعلهم هداة مهتدين .
__________
(1) سورة التحريم الآية 6
(7/309)
ونسأل الله لجميع ولاة أمر المسلمين التوفيق والهداية , والإعانة على كل خير , وأن يوفقهم لكل ما يرضى الله , وأن يعينهم على ترك ما نهى عنه جل وعلا , ورسوله صلى الله عليه وسلم , وأن يعينهم على مساعدة الداعي إلى الحق , وردع صاحب الباطل عن باطله .
وأسأل الله بأسمائه الحسنى , وبصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين للعلم النافع , والعمل الصالح , وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا , وسيئات أعمالنا , كما أسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان , وأن يصلح قادتهم , وأن يوفق حكام المسلمين للحكم بشريعة الله , والقيام بها والتواصي بذلك , وأن يعيذنا من الشيطان ونزغاته , وأن يعيننا جميعا على كل خير . إنه جواد كريم , وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
(7/310)
مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز