قد تُحرم من نعمة... فإن وفقك الله للتفكر في حكمته عندما حرمك، فإن هذا التفكر سيعود عليك بعطايا هي أعظم بكثير مما حرمت منه، وسترى أن الله تعالى يعرفك بأسمائه وصفاته من خلال هذا البلاء. أما الذي لا يرى البلاء إلا شرا محضا فمصيبته في قلة التفكر وقلة فهم حكم الله.
المفتاح للتفكر والفهم هو أن توقن أن لله في كل شيء حكمة. تجاوز الشك في وجود الحكمة. أيقن بحكمة الله ثم تفكر: ما هي هذه الحكم؟ وستفتح لك حينئذ كنوز عظيمة.
والمفتاح الآخر أن توقن بجهلك في مقابل حكمة الله: }وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون{.
مررت بتجربة الأسر. وفي كل مرحلة من مراحل هذا البلاء كنت أتمنى أن يتوقف البلاء عند هذا الحد وأعود إلى حياتي كالمعتاد، وكنت أظن أن الأنفع لي أن يقف البلاء عند هذا الحد. لكنني في كل مرحلة كنت أكتشف أن استمرار البلاء كان أنفع لي من توقفه! والآن لو سؤلت: هل تتمنى لو أن كل هذا الذي حدث لك لم يحدث؟ فجوابي: لا والله! بل أنا سعيد جدا بأن الله تعالى لم يحقق لي ما تمنيته ودعوت به من الخروج المبكر من الأسر، بل اختار لي أفضل من اختياري لنفسي.
أحمد الله على أن استمرت نعمة البلاء هذه المدة كلها لأقطف منها الهدايا الربانية العظيمة.
قال ابن القيم: ".. فإذا أراد الله بعبده خيراً ورشداً؛ أشهده أن ما هو فيه نعمة من نعمه عليه ورضّاه به وأوزعه شكره عليه".
والحمد لله وصلت إلى هذه المرحلة في أواخر بلاء الأسر. لم تعد المسألة صبرا فحسب، بل أصبحت أشكر ربي على ما أنا فيه من نعمة البلاء.
قد يتساءل المرء عن الحكمة في تقدير البلاء على علماء ودعاة يفيدون الناس بدعوتهم وهم أحرار، كالإمام أحمد وابن تيمية وابن القيم وغيرهم. يجيبك سيد قطب رحمه الله، الذي حبس وأعدم في سبيل الله فيما نحسبه إذ قال: (... لا بد من هذا البلاء ليؤدي المؤمنون تكاليف العقيدة كي تعز على نفوسهم بمقدار ما أدوا في سبيلها من تكاليف، والعقائد الرخيصة التي لا يؤدي أصحابها تكاليفها لا يعز عليهم التخلي عنها عند الصدمة الأولى. فالتكاليف هنا هي الثمن النفيس الذي تعز به العقيدة في نفوس أهلها قبل أن تَعز في نفوس الآخرين، وكلما تألموا في سبيلها وكلما بذلوا من أجلها كانت أعز عليهم وكانوا أضن بها...
ولا بد من البلاء كذلك ليَصْلُب عود أصحاب العقيدة ويقوى. فالشدائد تستجيش مكنون القوى، ومدخور الطاقة، وتفتح في القلوب منافذ ومسارب ما كان ليعلمها المؤمن إلا تحت مطارق الشدائد).
إذن فالله يفتح على الأسير في سبيله فتوحات ما كانت تخطر بباله خارج السجن، ومن يعمل للإسلام تبقى في شخصيته حلقة مفقودة لا تكتمل إلا بالتضحية، عندما يقدم ثمن دعوته.
صحيح أن هؤلاء الدعاة لو بقوا خارج السجن لربما تمكنوا من مخالطة الناس وقراءة المراجع وبث المؤلفات أكثر. لكن الله تعالى يريد أن يـُخلص نياتهم ويبث الحياة في كلماتهم، فكما قيل: فعل رجل في ألف رجل أبلغ من قول ألف رجل في رجل.
- ومهما تأملنا فلن ندرك إلا طرفا من حكمة الله القائل: }وما أوتيتم من العلم إلا قليلا{..
- خلاصة هذه الكلمة: ثقْ بحكمة الله في ابتلائك، وسيكشف لك كنوزا عظيمة.
د. إياد قنيبي
هذا بالاضافة الى ان من فوائد البلاء:
توفيق العبد للدعاء غالبا
إظهار شرف المؤمن، ورفع درجته في الدنيا والآخرة
تكفير الذنوب قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يزال البلاء في العبد المؤمن في نفسه، وماله وولده، حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة)
الخروج من حيز الغفلة، والاشتغال بالذكر والطاعة
تقوية صلة العبد بربه.
تكفير الذنوب ومحو السيئات
فتح باب التوبة والذل والانكسار بين يدي الله