هل صحيح أن الأطفال ينظرون إلى الملائكة ؟
الحمد لله
خلق الله تعالى الإنسان من تراب ، وخلق الجان من نار ، وخلق الملائكة من نور ، وقد
ثبت بالنصوص القطعية أنه لا يمكن أن يرى الناس الجنَّ ، إلا إن تشكلوا بصور أخرى
كالبشر والبهائم ، ولا تُرى الملائكة على أصل خلقتها من عامة الناس إلا وهي متشكلة
على صور بشر .
وفي جواب السؤال رقم (70364) تفصيل وافٍ
في استحالة رؤية الملائكة من قبَل عامة الناس على أصل خلقتها ، وأن ذلك لم يكن لأحدٍ
من هذه الأمة إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما تشكل الملائكة على صورة أحدٍ من البشر فقد ثبت ذلك في القرآن وصحيح السنَّة ،
وإذا جاء الملَك متشكلاًّ أمكن الجميع أن يروه ، ولا فرق بين ذكر وأنثى ، ولا صغير
وكبير .
ولا يستطيع أحدٌ الجزم بأن ما يراه من الأشخاص أنه من الملائكة ، فإن إثبات أنهم
ملائكة متوقف على وحي من الله عز وجل ، وأنَّى ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه
وسلم ؟!
وقد تشكل الملائكة على صورة بشر وجاءوا لإبراهيم ولوط عليهما السلام فلم يعلما
بحقيقتهما حتى أخبرتهم الملائكة ، فغيرهم من الناس أولى بعدم تلك المعرفة .
ومن أدلة تشكل الملائكة ، وإمكان رؤيتهم على هيئتهم المتشكَّلة :
1. قال تعالى : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ
أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا . فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا
فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا . قَالَتْ
إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا . قَالَ إِنَّمَا أَنَا
رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا )
مريم/16-19 .
2. وقال تعالى : ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ . إِذْ
دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ . فَرَاغَ
إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ . فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا
تَأْكُلُونَ . فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ
بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ) الذاريات/24-28 .
3. وقال تعالى : ( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ
ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ) هود/77
.
4. عن عُمَر بْن الْخَطَّابِ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ
شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ
السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ
كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ
... قَالَ : ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ، ثُمَّ قَالَ لِي : يَا عُمَرُ
أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ :
فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ .
رواه البخاري ( 8 ) .
5. قصة اختبار الأبرص والأقرع والأعمى من بني إسرائيل ، وفيها أن ملَكاً بعثه الله
على صورة بشر ليخبرهم .
رواه البخاري ( 3277 ) ومسلم ( 2964 ) .
6. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ
رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى
مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ
أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ
تَرُبُّهَا قَالَ لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ
فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا
أَحْبَبْتَهُ فِيهِ .
رواه مسلم ( 2567 ) .
وغير ذلك من الأدلة الصحيحة ، والتي يتبين من خلالها أنه يُمكن رؤية الملائكة لكن
على الصورة التي أمرهم الله تعالى بالتشكل بها ، وحينها يراه كل من يقدر الله تعالى
له رؤيته .
ومن ادَّعى أنه يرى الملائكة على أصل خلقتها فهو كاذب أو واهم ، وقد رأى النبي صلى
الله عليه وسلم جبريل على صورته الحقيقية وقد سدَّ الأفق له ستمائة جناح ، فمن ذا
الذي زعم أنه رآه في ذلك الوقت ؟! فظهر بهذا أنه لا يوجد أحد من هذه الأمة يمكنه
رؤية الملائكة على صورتها الحقيقية إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما الأطفال
فكغيرهم من الناس فإنه لا يمكنهم رؤيتهم إلا بالتشكل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
ولهذا كان البشر يعجزون عن رؤية الملَك في صورته إلا من أيَّده الله ، كما أيَّد
نبيَّنا صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : ( وقالوا لولا أُنزل عليه ملَك ولو
أنزلنا ملَكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون . ولو جعلناه ملَكا لجعلناه رجلاً وللبسنا
عليهم ما يلبسون ) الأنعام/8،9 ، قال غير واحد من السلف : هم لا يطيقون أن يروا
الملَك في صورته ، فلو أنزلنا إليهم ملكاً : لجعلناه في صورة بشر ، وحينئذ كان
يشتبه عليهم هل هو ملَك أو بشر ، فما كانوا ينتفعون بإرسال الملَك إليهم فأرسلنا
إليهم بشراً مِن جنسهم يمكنهم رؤيته والتلقي عنه ، وكان هذا من تمام الإحسان إلى
الخلق والرحمة .
" منهاج السنة النبوية " ( 2 / 333 ) .
وانظر تفصيلاً وافياً في الملائكة في جواب السؤال رقم : (
843 ) .
والله أعلم