القصيدة بعنوان "لنؤمن ببداية فصل البرد"
لنؤمن ببداية فصل البرد
من أين آتية أنا
من أين آتية أنا
مضمخة هكذا برائحة الليل
مازال تراب مثواها طرياً
أقصد مزار اليدين الخضراوين الشابتين..
كم كنتَ عطوفاً يا صاحبي، يا صاحبي الأوحد
كم كنتَ حينما كنتَ تكذب
حينما كنت تغلق أحداق المرايا
وحينما تقتطف الثريات
من السيقان النحاسية
وكنتَ تصطحبني في الظلمة المستبدة الى مرتع الحب
ليستقر ذاك البخار الدائخ المكمّل للهيب الظمأ
علي أحراش النوم.
وتلك النجوم الورقية كانت تطوف حول اللانهايات
لماذا قالوا للصوت، كلاماً
لماذا استضافوا النظر في بيت اللقاء
لماذا اقتادوا الحنان لحجب ضفائر البكارة؟
انظر!
كيف صلبتْ، هنا، علي أعمدة الوهم
روح من نطقت بالكلام
وعزفت بالنظر
وتخلّصت بالرأفة من شغب الموت
وكيف بقي علي خدّها إثر أغصان كفك، الخمسة
الشبيهة بأحرف الحقيقة الخمسة.
ما الصمت.. ما الصمت.. ما الصمت يا صاحبي الأوحد؟
ما الصمت إلا أحاديث لم تقل
عاجزة أنا عن الكلام.. لكن لغة العصافير
لغة حياة الجُمل السارية لاحتفاء الطبيعة
لغة العصافير تعني: الربيع.. الأوراق.. الربيع
لغة العصافير تعني: النسيم.. الذي.. النسيم
لغة العصافير تموت في المصانع.
مَن هذه.. مَن هذه السائرة علي مسير الأبدية
صوب لحظة توحدٍ
من هذه التي تُملي ساعتها الأبدية
بمنطق الرياضيات ذي التفرقة والتفريق
من هذه التي لا تعتبر صياح الديكة
بداية قلب النهار
إنما بدء رائحة الإفطار
من هذه المتوجة بالعشق
المتفسخة بين فساتين العرائس؟
لم تسطع الشمس، إذن، في آن واحد
علي قُطبي اليأس.
لقد فرغتَ من نداء البلاط الأزرق
ولكثر ما مفعمة به أنا
تراهم يصلون علي صوتي.
جثث سعيدة
جثث ضجرة
جثث صامتة متأصلة
جثث لطيفة، أنيقة، حسنة المأكل.
في محطات الأوقات المقررة
في المدار القلق للأنوار المؤقتة
وشهوة شراء فواكه العبث الفاسدة..
آه يا للأناس القلقين من الحوادث في التقاطعات
وهذا صوت صافرات الوقوف
في اللحظة التي يجب، يجب، يجب
رجلٌ يدهس تحت عجلات الزمن
رجلٌ يدهس تحت عجلات الزمن
رجل، كان يمر من جنب الأشجار المبتلة..
من أين آتية أنا؟
قلتُ لأمي: لقد انتهي قلتُ: يحدث دوماً قبيل ان تفكري
علينا ان نرسل التعازي للصحف.
سلاما يا غربة العزلة.
أسلمُكَ الغرفة
لان السحب الداكنة هي دائماً رسلُ آيات الطهارة الطرية
وفي استشهاد شمعةٍ،
ثمة سرّ منوّرٍ، تعرفه جيداً أطول وآخر شعلة.
لنؤمن!
لنؤمن ببداية فصل البرد
لنؤمن بخرائب بساتين التخيّل
بالمناجل المقلوبة العاطلة
وبالبذور الحبيسة.
انظر، يا له من ثلج يهطل..
الحقيقة ربما، تلك اليدان اللتان دفنتا
تحت الهطول المتواصل للثلج
وفي سنة قادمة أخرى
سيفوران في جسدها
ستخضوضر النافورات الخضر للسيقان الرشيقة
يا صاحبي.. يا صاحبي الأوحد.
لنؤمن ببداية فصل البرد.