[أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟]
الحمد لله معز الإسلام بنصره , ومذل الشرك بقهره , ومصرف الأمور بأمره , ومستدرج الكافرين بمكره ، الذي قدر الأيام دولا بعدله , وجعل العاقبة للمتقين بفضله , والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه , وعلى من سار على دربه واقتفى أثره , واهتدى بهديه واستن بسنته , إلى يوم الدين .
[أولا: أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - في جده واجتهاده في عبادة ربه؟]
أخرج البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا صَلَّى , قَامَ حَتَّى تَفَّطَّرَ رِجْلاَهُ , فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا - : يَا رَسُولَ اللَّهِ تَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ :
« يَا عَائِشَةُ أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ».
[ثانيا: أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - في جهاده وتضحياته؟]
أخرج البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«تَضَمَّنَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادًا فِي سَبِيلِي ، وَإِيمَانًا بِي ، وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي ، فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ ، نَائِلًا مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ ، وَرِيحُهُ مِسْكٌ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلَافَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ أَبَدًا ، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ، وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي،وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ»
والمتتبع لسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الهجرة , يجد أنه لم يكن يرجع من غزوة , حتى يشرع في غزوة أخرى , حتى قبضه الله تعالى , ولقد مارس النبي - صلى الله عليه وسلم - الجهاد بشموله , بأنواعه الأربعة عشر , التي ذكرها ابن القيم - رحمه الله - , ومن هذه الأنواع: جهاد النف والهوى والشيطان والمنافقين والكافرين.
[ثالثا: أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - في حرصه على هداية الناس؟]
قال الله تعالى:
{طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)} [الشعراء]
أتعلمون ما هو المقصود بقوله تعالى { بَاخِعٌ نَفْسَكَ }؟
أي: مهلك نفسك , ذلك أن الهم والحزن كان يملأ قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبب إعراض بني قومه عن الإيمان به , حتى إن هذا الحزن والهم يكاد أن يهلكه , إشفاقا منه - صلى الله عليه وسلم - عليهم.
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :
«جاء الطُّفَيلُ بن عَمْرو الدَّوْسي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقال : إنَّ دَوْسا قد هَلَكَتْ ، عَصَتْ وأبَتْ ، فادْعُ الله عليهم ، فَظَنَّ الناسُ أنه يدعو عليهم ، فقال : اللهمَّ اهْدِ دَوْسا ، وائْتِ بهم»
[رابعا: أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - في أخلاقه؟]
أخرج البخاري عنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ، عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ:
((كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ: يَرْضَى لِرِضَاهُ، وَيَسْخَطُ لِسَخَطِهِ .))
وفي رواية عند الإمام أحمد عن عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ – رضي الله عنها - : كَيْفَ كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَهْلِهِ , قَالَتْ:
(( كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا سَخَّابًا بِالْأَسْوَاقِ وَلَا يُجْزِئُ بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ.))
وعند البخاري عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها - ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ:
«مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا ، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ، إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»
وعند البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
(( لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَكَانَ يَقُولُ إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا.))
[خامسا: أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - في صبره وحلمه؟]
قال الله تعالى:
{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}[النحل]
أتعلمون ما هو سبب نزول هذه الآية؟
نزلت هذه الآية بعد معركة أحد , وقد مثل الكفار بالصحابة الكرام - رضي الله عنهم - , وممن مُثل بهم: أسد الله حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - عم الرسول - صلى الله عليه وسلم - , فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
(( لأن أظهرني الله على قريش , لأمثلن بثلاثين رجل منهم.))
وقال المسلمون:
<< لإن أظهرنا الله على قريش , لنمثلن بهم مثلة , ما مثلها أحد من العرب.>>
فنزلت الآية:
{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}[النحل]
أتعلمون ما هو موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول الآية , قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزولها:
(( بل أصبر وأحتسب))
ذلك أن مثل النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل الأفضل , والأحسن , والأرضى لله - عز وجل -.
ولقد كان البعض يتعدى على الجناب النبوي بكلمات نابيات , قبيحات , مستقبحات , والنبي هو القائد الأعلى , بيده الأمر والنهي , بيده القوة والسلطة , يستطيع أن يعاقب بأي عقوبة يشاؤها , ومع ذلك كله , فقد كان - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذه الظروف يصبر ويحلم , ولا يعاجل الناس بالعقوبة ...
وأخرج البخاري في صحيحه عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ:
((لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذلِكَ، وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ، فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ؛ قَالَ رَجُلٌ: وَاللهِ إِنَّ هذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ , فَقُلْتُ: وَاللهِ لأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَيْتهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللهُ وَرَسُولُهُ رَحِمَ اللهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هذَا فَصَبَرَ.))
وتأمل هذا الحديث لتكتشف مدى صبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وحلمه , ورأفته , وكظمه لغيظه ...
أخرج البخاري عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ:
(( كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ ، فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَدْ أَثَّرَتْ بهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ؛ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَضَحِكَ ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ.))
والدافع الذي يدفع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه للصبر , والحلم , وكظم الغيظ , نجده في مثل قوله تعالى:
{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)}[آل عمران]
[سادسا: أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - في عفوه وصفحه عمن ظلمه؟]
قريش فعلت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الأفاعيل , عذبتهم , قتلت بعضهم , فتنتهم في دينهم , سلبت أموالهم , اضطرتهم للخروج من مكة , ومع ذلك كله لما قدر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم , وصاروا تحت سلطانه , عفا عنهم , وصفح , ولم يؤاخذهم بما فعلوه به وبأصحابه.
فأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - في عفوه وصفحه عمن ظلمه؟؟؟
وجاء في الترغيب والترهيب للمنذري , وقال الألباني: - صحيح لغيره - عن على - رضي الله عنه - قال:علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال :
«وجدنا في قائم سيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : اعفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ ، وَصِلْ مَنْ قَطعَكَ ، وأحْسِنْ إِلى من أساءَ إِليكَ، وقُلِ الحقَّ وَلَوْ عَلَى نَفْسِكَ».
[ سابعا: أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - في عدله ومساواته بين الناس؟]
أخرج البخاري عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟»
ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، فَقَالَ:
«أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا.»
وعند أحمد في مسنده عَنْ أَبِي نَضْرَةَ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ:
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ , وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ , أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ , وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ , وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ , وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ , إِلَّا بِالتَّقْوَى.))
[ثامنا: أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - في مشاركته للناس أفراحهم وأتراحهم؟]
قال الله تعالى:
{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)}[التوبة]
فقد كان النبي يشارك الناس في كل شيء , حتى في القتال ...
قال علي - رضي الله عنه - :
<< كنا إذا حمي الوطيس , احتمينا برسول الله - صلى الله عليه وسلم ->>
وشارك النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في بناء المسجد النبوي...
عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ وَلِعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ائْتِيَا أَبَا سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ فَأَتَيْنَاهُ وَهُوَ وَأَخُوهُ فِي حَائِطٍ لَهُمَا يَسْقِيَانِهِ فَلَمَّا رَآنَا جَاءَ فَاحْتَبَى وَجَلَسَ فَقَالَ :
(( كُنَّا نَنْقُلُ لَبِنَ الْمَسْجِدِ لَبِنَةً لَبِنَةً , وَكَانَ عَمَّارٌ يَنْقُلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ , فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَسَحَ عَنْ رَأْسِهِ الْغُبَارَ , وَقَالَ: وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ , عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ , وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ.))
وشارك النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في حفر الخندق...
أخرج أحمد في مسنده عَنْ مَيْمُونٍ قال: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ :
(( لَمَّا كَانَ حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم - أَنْ نَحْفُرَ الْخَنْدَقَ ، عَرَضَ لَنَا فِي بَعْضِ الْجَبَلِ صَخْرَةٌ عَظِيمَةٌ شَدِيدَةٌ , لاَ تَدْخُلُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ ، فَاشْتَكَيْنَا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم - فجاء رسول الله - صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ - ، فلما رآهما ألقى ثوبه وأخذ المعول ، فقال: بسم الله ، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَهَا ، وَقَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ ، وَاللهِ إِنِّي لأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمُرَ السَّاعَةَ ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَ فَقَطَعَ ثُلُثًا آخَرَ ، فَقَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ ، وَاللهِ إِنِّي لأُبْصِرُ قصرَ الْمَدَائِنِ الأَبْيَضِ ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ ، وَقَالَ : بِسْمِ اللهِ ، فَقَطَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ ، وَقَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ ، وَاللهِ إِنِّي لأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ.))
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأبى أن يخص نفسه بشيء دون أصحابه , خاصة في أوقات المحن ...
قَالَ جابر :
(( لَمَّا حُفِرَ الخَنْدَقُ رَأيْتُ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَمَصاً ، فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأتِي ، فقلت : هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ ؟ فَإنّي رَأيْتُ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - خَمَصاً شَديداً ، فَأخْرَجَتْ إلَيَّ جِرَاباً فِيه صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ ، وَلَنَا بَهِيمَةٌ دَاجِنٌ فَذَبَحْتُهَا ، وَطَحَنتِ الشَّعِيرَ ، فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغي ، وَقَطَعْتُهَا في بُرْمَتها ، ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت : لاَ تَفْضَحْنِي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ مَعَهُ ، فَجئتهُ فَسَارَرْتُهُ ، فَقُلْتُ : يَا رسول الله ، ذَبَحْنَا بهيمَة لَنَا ، وَطَحَنْتُ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ ، فَتَعَالَ أنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ ، فَصَاحَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : (( يَا أهلَ الخَنْدَقِ : إنَّ جَابِراً قَدْ صَنَعَ سُؤْراً فَحَيَّهَلا بِكُمْ )) فَقَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( لاَ تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ وَلاَ تَخْبزنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أجِيءَ )) فَجِئْتُ ، وَجَاءَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَقْدُمُ النَّاسَ ، حَتَّى جِئْتُ امْرَأتِي ، فقالَتْ : بِكَ وَبِكَ ! فقُلْتُ : قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ . فَأخْرَجَتْ عَجِيناً ، فَبسَقَ فِيهِ وَبَاركَ ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنا فَبصَقَ وَبَارَكَ، ثُمَّ قَالَ: (( ادْعِي خَابزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعَكِ ، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ ، وَلاَ تُنْزِلُوها )) وَهُم ألْفٌ ، فَأُقْسِمُ بِالله لأَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ.))
[تاسعا: أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - في حرصه على الوحدة , ونهيه عن الفرقة؟]
أخرج الحاكم في مستدركه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ:
(( خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطًّا بِيَدِهِ , ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ مُسْتَقِيمًا , قَالَ: ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ , ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ السُّبُلُ , وَلَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلَّا عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ , ثُمَّ قَرَأَ:
{ وَإِنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ }
أخرج البخاري في صحيحه عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟»
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ:
«دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ.»
فَسَمِعَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ فَقَالَ: قَدْ فَعَلُوهَا ، وَاللهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ. قَالَ عُمَرُ: دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ ، فَقَالَ:
«دَعْهُ، لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»
أخرج مسلم في صحيحه عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ، سَمِعَ أَبَا زُرْعَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ جَدِّهِ جَرِيرٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ:
«اسْتَنْصِتِ النَّاسَ»
ثُمَّ قَالَ:
«لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ.»
[عاشرا: أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - في معاملة الزوجة والإحسان إليها؟]
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصْنَعُ فِى أَهْلِهِ؟ فَقَالَتْ :
(( كَانَ يَكُونُ فِى مِهْنَةِ أَهْلِهِ - قَالَ : تَعْنِى فِى خِدْمَةِ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ.))
وأخرج ابن ماجه في سننه عَنْ عَائِشَةَ - رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ قَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- :
« خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى. »
[الحادي عشر: أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذوده عن الحرمات , ودفاعه عن المقدسات؟]
قال الله تعالى:
{ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19)}[الفتح]
أتعلمون ما هو سبب نزول هذه الآية؟
لما أُشيع نبأ مقتل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - طلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة مبايعته على الموت , ثأرا لرجل مسلم واحد , ألا وهو عثمان بن عفان - رضي الله عنه - , فانظروا إلى ملايين المسلمين الذين يُقتلون دون أن يحرك ذلك ساكنا في من وُلِّوا علينا , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أتعلمون لماذا غزا النبي - صلى الله عليه وسلم - بني قريظة؟
غزاهم لأن يهوديا راود مسلما على نفسها في أن تكشف وجهها فأبت , فربط ثوبها , فكشفت عورتها , فثار لها مسلم فقتل اليهودي , فاجتمع عليه اليهود فقتلوه , فغزا النبي - صلى الله عليه وسلم - بني قريظة , وفعل فيهم الأفاعيل ...
أتعلمون أيضا ما هو سبب فتح مكة؟
سبب فتح مكة , مخالفة قريش لشرط من شروط صلح الحديبية , فقد ساعدت قريش بني بكر في القتال على حلفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - من خزاعة , فقرر النبي غزوهم , وفتح مكة المكرمة ...
فأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذوده عن الحرمات , ودفاعه عن المقدسات؟
قال الله تعالى:
{... وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)} [الحج]
والحمد لله , وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله , وعلى آله وصحبه ومن والاه , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
تعليقك يسعدني ,, فلاتبخل علي بكم حرف