العلاقة مع الآخرين فن من أهم الفنون الاجتماعيـة ، وكثير من الناس لايحسن فن التعامل مع الآخرين.. لذا يفشل في كسب الأصدقاء، وتتحوّل عـلاقاته مع الآخرين إلى مشاكل وخلافات .. ذلك لأ نّه لا يعرف كيف يكسب الأصدقاء ، وكيف يتعامل معهم .. وتزوِّدنا دراسات علم النفس ، والتجارب اليومية ، وما جاء من إرشادات عن الرسول الهادي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) .. كلّ تلك المصادر تزوِّدنا بإرشادات وتعليمات لكسب الأصدقاء والتعامل معهم ..
إنّ هذه التعليمات توضِّح أنّ الانسان الأناني لا يكسب الأصدقاء ، وعندما تتكوّن له علاقة صداقة مع الآخرين فإنّه سرعان ما يخسرهم بأنانيّته ، فهو لا يحبّ لهم ما يحبّ لنفسه ، ولا يكره لهم ما يكره لها . بل يتصرّف بأنانية ومحاولة استغلال الأصدقاء لمصالحه الشخصية ; لذا يبتعد عنه أصدقاؤه .. أمّا عندما يشعر الصّديق بأنّ صديقه يتعامل معه بإيثار ويحرص على مصلحته ، كصديق له ، يحترم هذا الشعور ، وتزداد ثقته به وعلاقته معه ..
وإذاً لكي تكسب الأصدقاء ، فلا تكن أنانيّاً مع أصدقائك .. بل تعامَل معهم بإيثار .. والإيثار هو أن تقدِّم مصلحة غيرك على مصلحة نفسك عندما تشعر أ نّه بحاجة إليها ..
وأكبر درس نتعلمه من الايثار وتعظيمه وانتهاجه هو وذلك لتعظيم القرآن له
لقد عظّم القرآن صفة الإيثار التي مارسها المهاجرون والأنصار فيما بينهم كاُخوة .. عاشوا تجربة الاُخوّة الصّادقة .. فكان الأنصار يقدِّمون للمهاجرين ما يحتاجونه من سكن وطعام وتزويج ولباس ومعونة ، حتّى ولو كان بعضهم بحاجة إلى ما يقدِّمه لأخيه الأنصاري ; لذلك أثنى القرآن على هذا الإيثار ، وامتدح الأنصار ، لإيوائهم المهاجرين وتقديم العون لهم ، مؤثرينهم على أنفسهم بحبٍّ وإخلاص صادق ، يرجون بذلك وجه الله سبحانه ..
ولعظمة هذه الصِّفة خلّد القرآن تلك المواقف الأخلاقية الفريدة في سلوك الانسان بقوله :
(والّذينَ تَبَوَّءوا الدّارَ والأيمانَ من قَبْلِهِم يحبّونَ مَن هاجرَ إليهم ولا يَجدونَ في صدورِهم حاجة ممّا اُوتوا ويُؤثِرونَ على أنفُسِهِم ولو كانَ بِهِم خَصاصة ومَن يوقَ شحّ نَفْسِهِ فاُولئكَ هُم المُفلِحون ). ( الحشر / 9 )
أما اليوم نادرا ما نرى إيثارا عند أحدا لآخر فالانانية وحب الذات قد غطت معالم الاخلاق وسماحة النفس وتلفعت ببرقع حضور الانا النرجسية لدى معظم إنسان هذا الزمن .