" بسم الله الرّحمن الرّحيم "
يُعْرَفُ الميزانُ في العُرْفِ الشائعِ ،بأنّهُ أداةٌ ووسيلةُ لِمعرِفَةِ وَزْنِ المادّةِ التي يُرادُ وَزْنُها ، عن طريقِ وَضْعِ المادّةِ في الميزانِ ، ووضعِ ما يُعادِلُها من وحداتٍ وَزْنيّةٍ مُقاَبِلُها ، حتى تَتِمُّ عمليةُ الوزنِ المضبوطةُ . ويكونُ ذلك إمّا بطريقةٍ يَدويةٍ ، وإمّا بواسطةِ آليّةٍ مُبَرْمَجَةٍ داخلَ الميزانِ .
أما الميزانُ الصرفيُّ فإنَّ الغرَضَ مِنهُ ، ضَبْطُ الكلماتِ المُسْتَعْمَلَةِ في اللغةِ ، ومَعْرِفَةُ أصولِها وتشكيلاتِها الصوتيةِ الصحيحةِ . فقد دَعَتْ الحاجَةُ أصحابَ اللغةِ ، قَبْلَ وجودِ الحَرَكاتِ والضوابطِ اللغويةِ ، إلى وضعِ معيارٍ صحيحٍ يُضْبَطُ بهِ نُطْقُ الكلامِ في الجملةِ – الأسماءِ والأفعالِ – والذي يدورُ في الاستعمالِ اللغويِّ .
لذا نَجِدُ في المعاجِمِ العربيّةِ القديمةِ مظاهِرُ من استعمالِ هذا المعيارِ في ضَبْطِ النُّطْقِ بالكلماتِ ، والتَلَفُظِ بها بطريقةٍ صحيحةٍ . حَيْثُ عَمَدَ واضعو هذه المعاجمِ إلى ضَبْطِ الألفاظِ الأقلِّ شُيوعاً وتداوُلاً في اللغةِ – قَبْلَ توضيحِ معانيها – عن طريقِ قياسِها لفظاً ، على ألفاظٍ شائعةِ الاستعمالِ والدَوَرانِ في اللسانِ العربيِّ . فكلمةُ (الدِّرهَم) شائِعَةٌ في
التداولِ اليوميِّ الماديِّ في حياةِ العربِ . فإنْ شاؤوا أن يُعَرّفوا مُسْتَخْدِمَ المعجمِ باسمِ الحيوانِ البَرْمائيِّ الصغير
– الضِفْدَع – غيرِ المألوفِ في حياةِ العربِ البعيدين عن الأنهارِ والمستنقعاتِ ، قالوا : (ضِفْدَع) بِوَزْنِ أو زِنَةِ (دِرْهَم) تحديداً للنُّطْقِ الصحيحِ به .
وعن طريقِ قياسِ الكلماتِ وَمَعْرِفَةِ أوزانِها ، يتسنى لِمُسْتَعْمِلِ اللغةِ أن يَعْرِفَ الأصلَ الثلاثيَّ للمفردةِ المقيسةِ
– فغالبيةِ الألفاظِ العربيةِ تَتَشَكّلُ من أصولٍ ثُلاثيةٍِ – ومن ثَمَّ يتعرفُ على الحروفِ الزائدةِ التي أُضيفتْ إلى الجّذْرِ الثلاثيِّ لكلِ كلمةٍ ، مما يُسَهّلُ عليه البَحْثَ عن معانيها المختلفةِ باستعمالِ المعاجمِ اللغويةِ التي اعتَمَدتْ الجَذْرَ الثلاثيَّ للمفردةِ مادةً وطريقةً هاديةً للبحثِ عن معنى الأصلِ الثلاثيّ – وما يَتَفَرّعُ عنهُ من معانٍ تُضيفها الزياداتُ على الكلمةِ، وما يُقابِلُ هذه التفرعاتِ من معانِ تَقْتَضيها هذه الأشكالُ المختلفةُ للفظةِ ، وما تُشَكِّلُهُ من دَلالاتٍ مُختلفةٍ على الأصلِ الواحدِ للمفردةِ في اللغةِ .
وَلِئنْ كانت معرفةُ الأصلِ الثلاثيِّ للمفردةِ أمراً هاماً في التعرفِ على ما يَعتري بعضَ الألفاظِ من تغيراتٍ صَرْفِيَّةٍ تَتَعَلّقُ بتحويلِ صورةِ أو نُطْقِ حَرْفٍِ إلى صورةٍ أُخرى لمناسبةِ اللفظِ ، أو إبدالِ حَرْفٍ من حَرْفٍ آخرَ لِعِلَّةٍ صَرفيةٍ معروفةٍ ، فإنَّ مَعْرِفَةَ الأصلِ الثلاثيِّ للحروفِ التي تَتَشَكَّلُ منها الكلمةُ ، تُساعِدُ على كتابةِ الكلمةِ كِتابةً صحيحةً في الشَّكْلِ ، مما يَتَرَتَّبُ عليه وضوحُ مضمونِها ودِقةُ دلالتها اللفظيةِ ، وبخاصةٍ عندما تَرِدُ في لغةِ الكتابةِ. ويَظْهَرُ هذا الامرُ جَليّاً في مَعْرِفَةِ أصلِ حروفِ العِلّةِ في بعضِ الأفعالِ والمشتقاتِ ، من مثل دعا يدعو دعوةً ، ومثل رما يرمي رَمْياً ودنا يدنو دُنُوّاً وسعى يسعى سَعْياً وغيرُها كثيرٌ .
ولما كانتْ أكثرُ الكلماتِ في اللغةِ تتألفُ من ثلاثةِ حروفٍ – أَصْلٍ ثُلاثيٍّ – فقد شُكَّلَ المعيارُ اللغويُّ من ثلاثةِ حروفٍ، جعلوها الفاء والعين واللام (فَ عَ لَ) . ووزنوا جَميعَ كلامِهم بمقابلةِ حروفِ الكلمةِ الموزونةِ بهذه الحروفِ الثلاثةِ ، بمقابلة الحرفِ الأولِ من أصلِ الكلمةِ ، بالحرفِ الأولِّ من الميزانِ وسَمّوْهُ (فاء الكلمة) ومقابلةُ الحرفِ الأصليِّ ِ الثاني لها ، بالحرف الثاني من الميزانِ وسَمّوْه (عينَ الكلمةِ) ومُقابلةُ الحرفِ الأصليِّ الثالثِ للكلمةِ ، بالحرفِ الثالثِ من الميزانِ الذي سَمّوْهُ (لامَ الكلمة) . مراعين توافُقَ كلِّ حرفٍ في الكلمةِ من حّيْثُ الحركةُ والسكونُ ، مَعَ حَركةِ أو
سُكونِ حُروفِ الميزانِ .
فوزنُ كلمةِ (قَمَر) هي (فَعَل) ، ووزنُ كلمةِ (شَمْس) (فَعْل) ، ووزن (حِمْل) (فِعْل) ، ووزن (شَرِبَ) (فَعِلَ) .
فإذا انتهت (الفاء والعين واللام) في الميزانِ ، ولم تَنْتَهِ أصولُ الكلمةِ الموزونةِ الرباعية والخماسية ، تُكرر اللامُ في الميزانِ وِفْقَ ما بقي من أصولِ الكلمةِ حتى تنتهيَ حُروفُها ، وهذا يعني أنه إذا زادَتْ الكلمةُ على ثلاثةِ حروفٍ ، فإنْ كانت زيادتُها ناجِمةً عن أصلِ وضعِ الكلمةِ على أربعةِ حُروفٍ أو أكثرً . يُزادُ في الميزانِ لامٌ واحدةٌ إن كان الموزونُ رُباعياً مثلِ دَحْرَجَ = فَعْلَلَ ، أو يُزادِ (لامان) إنْ كانت الكلمةُ الموزونةُ خماسيةَ الحروفِ مثل سَفَرْجَلْ = فَعَلْلَلْ .
وإنْ كانت الزيادةُ ناشئةً عن تكريرِ حرفٍ من أصولِ الكلمةِ ، يُكَرَّرُ ما يُقابِلُهُ في الميزانِ. فوزنُ صَعّدَ : فَعّلَ – بتشديد العين ، ووزنُ جَلْبَبَ = فَعْلَلَ .
أما إذا كانت الزيادةُ ناشئةً عن زيادةِ حرفٍ أو أكثرَ من حروفِ الزيادةِ وهي المجموعةُ في كلمةِ سألتموينها – فعندئذٍ تُقابَلُ الأصولُ بالأصولِ ، ويُعَبَّرُ عن الزيادةِ بلفظِ الحرفِ الزائدِ ، أي أن الحرفَ الزائدَ في الكلمةِ ، يُوضَعُ بِلَفْظِهِ في الميزانِ – فوزنُ قائل = فاعل ، ووزن تقدَّمَ = تَفَعَّلَ ، ووزن استخدم = استفعل ، ووزن مُجْتَهِد = مُفْتََعِل ، وهكذا.
وإذا كانَ الزائدُ حرفاً مُبدلاً من تاءِ الافتعال ، فَيُنْطَقُ بها نظراً لأَصْلِها . فيُقالُ في وزنِ اضطربَ = افْتَعَلَ وليس افْطَعَلَ .
وإن حَدَثَ حذفٌ في حروفِ الموزونِ ، حُذِفَ ما يقابِلُهُ في الميزانِ .
فنقول في وزنِ قُلْ = فُلْ ، وفي وزنِ قاضٍ = فاعٍ وفي وزنِ عدة = علة ، وفي وزن ارْمِ = افْعِ . وإن حَدَثَ قَلْبُ حرفٍ بَدَلَ حَرْفٍ في الكلمةِ الموزونةِ ، حُذِفَ مِثْلُه في الميزانِ ، فَيُقال في وزن جاه : أصله = وجه، يقال في وزنه : عَفَل . ووزن حادي : وأصلُهُ (واحد) ووزنه فاعل ، فوزن حادي = عَالِفْ ، وفي وزن أَيِسَ ، وأصلها يَئِسَ : فَعَلَ ، عَفَلَ .