في حكم إعفاء اللحية
السؤال: ذكر لي بعض الأئمة أنّه لا يوجد دليل على وجوب إعفاء اللحية وأنّ إرخاءها لا يُعدّ من العبادات المأمور بها وإنّما هي من عادات العرب، فهل هذا القول صحيح؟ وما دليله؟ أفتونا مأجورين.
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلم أنّ أصل إعفاء اللحية واجب وهو قول جماهير العلماء من أصحاب المذاهب بما فيهم المذاهب الأربعة وغيرهم، بل نقل ابن حزم الإجماع على ذلك(١)، ومستند الإجماع قوله صلى الله عليه وآله وسلم: « جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، وخالفوا المجوس»(٢) وقوله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا المشركين، ووفروا اللحى، واحفوا الشوارب»(٣) وفي رواية:«أنهكوا الشوارب واعفوا اللحى»(٤)، فهذه بعض الأدلة على وجوب إعفائها وتحريم حلقها لأنّ حلق اللحية مخالف لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد جاء خطاب الله محذرا من مخالفة الرسول في قوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَر الذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور:63]، ولأنّ حلقها تغيير لخلق الله وقد قال تعالى حكاية عن إبليس: ﴿وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ﴾ [النساء:119] ولهذا كان حلقها مثلة، قال ابن تيمية:"وأمّا حلقها فمثل حلق المرأة رأسها أو أشد لأنّها من المثلة المنهي عنها" ولأنّ في حلقها تشبها بالنساء وقد زيّن الله الرجال باللحى وميزهم عليهنّ بها وقد روى ابن عباس رضي الله عنه: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال"(٥) ولأنّ حلقها تبديل للفطرة التي فطر الناس عليها، كما أنّ في حلقها تشبها بالكفار الذين أمرنا الشرع بمخالفتهم في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «خالفوا المشركين»،«خالفوا المجوس» لذلك كان حالقها آثما لتركه لوجوب الإعفاء على ما نصت عليه الأدلة السابقة، ولا يساورنا أدنى شك أنّ توفير اللحية من سنن الفطرة التي واظب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فعلها ولم ينقل عن أحد من أصحابه أنّه حلقها بل أمر بتوفيرها حتى أضحت سمة ظاهرة من سمات أهل الإسلام تميزهم عن أهل الشرك والضلال.
والعلم عند الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمّـد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
الجزائر في: 10 ربيع الأول 1425ﻫ
المـوافـق ﻟ : 30 أفريل 2004 م
١- مراتب الإجماع لابن حزم:(157).
٢- أخرجه مسلم في الطهارة (603)، وأحمد (9020)، والبيهقي (710)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٣- أخرجه البخاري في اللباس (5892)، ومسلم في الطهارة(625)، والبيهقي (709)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
٤- أخرجه البخاري في اللباس (5893)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
٥- أخرجه البخاري في اللباس (5885)،وابن ماجة في النكاح (1979)، وأحمد (2306)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
الجزائر في:1جمادى الأولى 1426هـ
الـموافـق لـ: 8 جـوان 2005 م