أضحَت ظاهرة الانتحار تفرِض نفسها على المجتمع بكافة أطيافه جرّاء فقدان الوازع الديني، متناسين حُرمة النّفس البشرية، قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً × وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً} النساء: 29ـ.30 إنّ تسَخُّط الإنسان من وضعه الاجتماعي المتردي وعدم رضاه بحاله أو صبره عليه؛ يزيده بؤساً وشقاءً، قال سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''إنّ عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنّ الله تعالى إذا أحَبَّ قوماً ابتلاهم، فمَن رضِيَ فَلَهُ الرِّضا، ومَن سخط فلهُ السّخَط'' رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
فالشّريعة الإسلامية لا تمنع الاحتجاج والتّظاهر الذي لا يمس المسلمين الآمنين بسوء، أو بمقدراتهم أو بممتلكاتهم أو بأرواحهم أو بأعراضهم، فالمال يُعادِل الرُّوح، والمال والنّفس التي حَرَّم الله قتلها إلاّ بالحق من الضروريات الخمس التي ضمنها الشّرع الحنيف لكلّ المُسلمين وهي: النّفس، المال، العرض، الدِّين والعقل.
وإنَّ ممّا عُلِمَ من الدِّين بالضرورة وتواترتْ به الأدلة من الكتاب والسُّنَّة حُرمةُ دم المسلم؛ فإنَّ المسلم معصوم الدم والمال، وحرمته أعظم عند الله من حرمة الكعبة المشرّفة، بل من الدنيا أجمع. وفي ذلك يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا''. وأوّل ما يُقضَى يوم القيامة بين العباد في الدماء، يقول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ''أوّلُ ما يُحاسَبُ به العبدُ الصّلاةُ، وأوّلُ ما يُقضَى بينَ النّاسِ الدماءُ''، وذلك لعظم خطرها يوم القيامة.
فإذا وصل التسخُّط بالعبد إلى قتل نفسه أو إذاية غيره؛ فهو متوعد بوعيد شديد، مصداقاً للآية السّابقة: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ...} أي: مهما اشتد عليكم الأمر، فإنّ لكم مخرجاً في رحمة الله، فتطلبوها واسعوا إليها واتوا أسبابها؛ يرحمكم الله، فمَن ترك هذا الطريق وقتل نفسه أو غيره فإنّه سينتقل إلى عذاب أشدّ ممّا حاول الفرار منه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''مَن تردَّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنّم يتردّى فيها خالداً مُخلِّداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سُمًّا فقتل نفسه فسُمّه في يده يتحسّاه في نار جهنّم خالداً مُخلِّداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنّم خالداً مُخلِّداً فيها أبداً'' متفق عليه. ومن هنا ندرك أنّ القرآن الكريم لم يغفَل عن هذه الظاهرة بل عالجها العلاج الأمثل. وقد نهى الله تبارك وتعالى عن قتل النّفس بغير الحق في كتابه الكريم، حيث توعَّد سبحانه مَن يفعلها باللّعنة والغضب والعذاب العظيم والخلود في نار جهنّم، وأثنى عزّ وجلّ على الذين يجتنبون هذه الجريمة العظيمة، فقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} النساء: .93 فأيُّ تهديد بعد هذا وأيُّ وعيد بعد هذا الوعيد. فاستحضِر هذا التّهديد العظيم وهذا الوعيد الكبير.. لأنَّ المسلم له مكانة عند الله تعالى، ودم المسلم هو أغلى الدماء التي يجب أنْ تُصانَ وأن يُغضَب لإراقتها.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال