تعتبر الطهارة إحدى خصائص الدين الإسلامي و التي أمر بها
الشارع و فرضها كشرط صحة لعبادات تشكل أركان الإسلام.
و لهذا حرص المسلمون على التنظف حتى أصبحت النظافة
ميزة خاصة بالمسلمين.
و مع انتشار الإسلام في الأرض حمل المسلمون معهم حضارتهم
إلى البلدان المفتوحة و من أهم معالم هذه الحضارة الحمامات.
فمثلا في الأندلس الإسلامية كان لا يخلو بيت من حمام
للإغتسال و الوضوء , و لا يخلو شارع من حمام عمومي و
طبعا لا يخلو مسجد من موضأة.
يقول العالم الأمريكي الشهير جوزيف ماكيب (المولود في القرن
التاسع عشر ميلادي) في كتابه "مدنية المسلمين بإسبانيا
" و الذي ترجمه العلامة تقي الدين الهلالي رحمه الله " :
"و كانوا - يقصد المسلمين في إسبانيا-يراقبون الطرق المعبدة
و الجسور المتينة التي عملها الروم بعناية تامة فيصلحون ما
فسد منها فكان للبلاد نظام في المواصلات يليق بصناعتها و
تجارتها" .
و عجلات السيارات الثقيلة اليوم كانت تسير في طليطلة و
قرطبة على الجسورالعظيمة التي بناها الروم و جددها المغربيون.
و جددوا القنوات و أنشؤوا قنوات جديدة لضمان الماء الكافي لا
للسقي فقط بل لتوزيعه في المدن على البيوت. و كانللبريد سرب
من الخيل السريعة تبرده في جميع الطرق المهمة في المملكة.
و لأجل أن تقدر هذه الأشياء حق قدرها ينبغي أن نتذكر دائما
الإختلاف بين هذه البلاد و بقية أقطار أوروبا. فاعلم أن أمهات
المدن الأوروبية لم توجد فيها قنوات لصرف المياه القذرة حتى
بعد مضي ستمائة سنة من ذلك التاريخ فكانت المياه المنتنة
النجسة تجري في طول شوارع باريس و لندن فير المبلطة أو
تجنمع فيتكون منها حياض حتى بعدما عملت النهضة في أوربة
عملها قرونا طوالا.
أما في مدن المغربيين فكانت الشوارع المبلطة منورة قد سويت
فيها مجاري المياه أحسن تسوية في أواسط القرن العاشر.
قال سكوت: بعض القنوات التي كانت تحت الشوارع لصرف
المياه القذرة فيبلنسية تقدر أن تسع سيارة.
و أصغر قناة منهن تقدر أن تسع حمارا. و كانت الشوارع
مجهزة أحسن تجهيز بالشرطة. و هذا النظام الصحي السامي
كانت تعضده النظافة العامة التي يراها الأمريكيون في هذه
العصور شيئا واجبا, و لكنها في ذلك الزمان كانت في نظر
الأوربيين أعجوبة من أعاجيب الرقي التام. فكانت في قرطبة
وحدها تسعمائة حمام عام و كانت الحمامات الخاصة كثيرة في
كل مكان, أما في بقية بلاد أوربة فلم يكن فيها و لا حمام واحد.
و كان أشراف أوربة رؤساء الإقطاع منهمكين في الرذائل إلى
حد يحجم الإنسان عن وصفه. و لم يكن لبس الكتان النظيف
معروفا في أوروبة حتى أخذت (مودة) طراز لبس الكتان من
المحمديين و لم تكن الزرابي أيضا تصنع هناك.
و كان الحشيش (يريد المؤلف ذمهم بكون أرض قصورهم غير
مبلطة و لا مكنوسة بل متسخة بالنبات و غيره. المترجم) يغطي
أرض قصورالأمراء و مصطبات الخطابة في المدارس و كان
الناس و الكلاب ينجسون المحلات إلى حد يعجز عنه الوصف
، و لم يكن لأحد منهم منديل في جيبه و في ذلك الوقت لم تكن
الحدائق تخطر ببال أحد من أهل الممالك النصرانية, و لكن في
إسبانيا العربية كان الناس من جميع الطبقات يبذلون الجهود و
الأموال في تجميل حدائقهم العطرة البهية. و كانت الفسقيات
تترقرق مياهها صعدا في حصون الدور و القصور و الأماكن
العامة. "
نعم ففي هذه الفترة كان النصارى أمة متّسخة تُقدّس القذارة و
تتقرب إلى الرب بها -زعموا- و أفضل مثال هو لملكة الإسبان
المقدّسة عندهم إيزابيلا التي لم تغتسل إلا مرّة واحدة في حياتها.
و لما كانت مدن الإسلام بالأندلس تسقط بيد النصارى, كان أوّل
شيئ يفعله النصارى هو تحويل المساجد إلى كنائس و تدمير
الحمامات و إجبار المسلمين على عدم التنظف.
و هكذا فعلوا في غرناطة التي سقطت سنة 1492م حيث حوّلوا
مساجدها إلى كنائس و خرّبوا حماماتها إلا حماما واحدا ظل
صامدا إلى يومنا هذا وكأنه شاهد على نظافة و طهر حظارة
مرّت من تلك الأرض.
وإبَّـان الحكم الإسـلامي لإسبانيا كثرة وتنوعت الحمامات
المتخصصة في نظافة البدن والروح. وبعضها مشتـق من
الينابيع الحارة الرومانية ومزودة بحجـرات عديدة ذوات درجات
حرارية مختـلفة: من الباردة جداً حتى الشديدة الـحرارةً،مع
الإشـارة إلى أن الغلاَّيات كانت توجـد تحت سطـح الأرض ..