رنّ جرسُ الدرس.. أسرعَتِ التلميذاتُ إلى الصفّ
وجلسْنَ في المقاعد هادئاتٍ، ينتظرْنَ قدومَ المعلِّمَة
كانت معلِّمةُ الصف، تناهزُ الخمسين من عمرها
ولكنها لا تزال حازمة، لا تتغاضى عن الشغب
ولا تسامحُ في التقصير، شعارها الجدُّ والنظام
في الدراسة، وفي الدوام، كأنها ساعة عاقلة
-لماذا تأخّرَتِ اليوم؟!
قالت تلميذة:
-المعلّماتُ مجتمعاتٌ في الإدارة
-متى ينتهي الاجتماع؟
-لا ندري!
فرحَتْ ليلى الصغيرة، وبدأَتْ تتململُ في مقعدها
تميلُ ذاتَ اليمين وذات الشمال، ولا تستقرُّ على حال
إنها طفلة شقراء مرحة، ماهرة في تقليد الآخرين
فنالت محبّةَ زميلاتها، بما لديها من دعابة ومزاح
انتهزَتْ ليلى الفرصة، وغادرت مقعدها
وقفَتْ في مكان المعلِّمة، على المنصّة القريبة من السبّورة
وضعَتْ على عينيها نظّارة، مثل نظارة معلمتها
وحنَتْ ظهرها قليلاً، ثم تنحنحتْ، وقالت تقلِّد المعلِّمة:
-بناتي الطالبات!.. مَنْ تذكِّرني بدرسنا السابق؟
انجذبَتْ إليها العيونُ والقلوب
وارتفعَتْ عدّةُ أصابع.. قلبَتِ المعلّمة الصغيرة
شفتها السفلى، ثم هزّتْ رأسها وقالت بصوت راعش:
-أريدُ أصابعَ أكثر.. كيف نأخذ درساً جديداً
وقد نسينا درسنا القديم؟!
كانت التلميذات ينصتْنَ لها مسرورات
والإعجاب ظاهر على الوجوه والعيون
وفجأة..
تحوّلَتْ عنها العيون
وكسا الذعرُ الوجوه، وغطّتِ الكفوفُ الأفواه
التفتَتْ ليلى، لتكشف الأمر، فأبصرتْ معلِّمتها
ذاتَ النظارة، واقفة في الباب!
انعقد لسانها حيرة، واحمرَّ وجهها خجلاً
فأطرقَتْ رأسها، لا تدري ماذا تفعل
مرّتْ لحظاتُ صمتٍ ثقيل
ثم أفلتَتْ ضحكاتٌ محبوسة، من هنا وهناك
رفعَتْ ليلى رأسها
ونظرَتْ إلى معلِّمتها خلسة، فرأتها تبتسم!
كانت ابتسامتها شمساً مشرقة
أضاءت نفسها المظلمة
وقشعَتْ عنها غيومَ الخوف والحزن
عادت إليها شجاعتها، وقالت معتذرة:
-أنا آسفة!
-لا داعي إلى الأسف يا بنتي!
-سامحيني على مافعلت
-لستُ عاتبةً عليكِ
-هل أذهب إلى مقعدي؟
قالتِ المعلِّمة:
-لن تذهبي إلا بشرط
-ما هو؟
-أن تكوني المعلمه المثاليه
قالت ليلى فرحة:
-موافقة!
ضحكَتِ المعلِّمة، وقالت:
-اذهبي الآن إلى مقعدك، أيتها المعلِّمة الصغيرة!
أسرعَتْ ليلى إلى مقعدها، وهي تكاد لا تصدّق
غير أنها أصبحَتْ على ثقة تامة
أنّ المعلِّمة هي أُمّها الثانية!