جاء في مجلة الاصلاح الجزائرية العدد الرابع رجب / شعبان 1428 هذه المقامة الجميلة للأستاذ اللغوي البارع محمد بوسلامة فلتتفضلوها مشكورين مع الاعتذار المسبق عن اسقاط الشكل رغم أهميته وهذا لقصور في لوحة المفاتيح عندي فلتتفضلوها مشكورين:
المقامة الرمضانية
حدث محمد بن علي قال :
دخلت سوق الحي فألفيت عبد الحي وهو بين الميت والحي وهو في ذلك الممشى يخبط خبط الأعشى وقد زعفر وجهه الصيام وجفف ريقه الأوام فقلت : لأقفون اثره ولأخبرن خبره وقد واريت عنه عياني فكنت اراه من حيث لا يراني فانطلق حتى انغمس في أمواج الأخلاط وهم في زحام وزياط فماجت به تلك الأمواج وأمدهم بعد ذلك افواج فاشتد في ذلك العراك بأسه ولم يبد لي من جسده الا رأسه فكلفني في اللحاق به المشقة فاختلت للعرمرم كي أشقه فانسل عبد الحي بعد عناء الى الجزار وكأنه مكبل الرجلين فليس الأمر لو ترى بهين وهو في ذلك شاتم ومشتوم وطورا يلام وطورا يلوم فلما بلغ الى اللحام وعاين تلك اللحام جعل ينظر اليها نظر ذات وحام فابتاع منه رطلا أو رطلين ثم تولى قرير العين وغطس الى ناحية الخضر متقلبا بين ضرار وضرر فلما وقف عليها لفحته لوافح الأسعار فضج من ذلك السعار ولج في خصام الخضار ثم صال وجال واشترى ما يعجز عن حمله الرجال ثم غيبته عني لمة أحاط به جمعها فواراه وصار بمكان بحيث لا أراه
فاذا هو عند بائع الزيتون وقلبه بكل نوع مفتون وطال حديثه الى البائع والكلام عن عن البضائع حتى أنساه السوم حرمة الصوم فألقى زيتونة في فمه وسها عن صومه فصاح به القوم : يا رجل أفسدت الصوم فلفظ منها ما تبقى واستغفر الله وذكره وسب من القوم من ذ كره فرأيته وقد تجهم وجهه وشعث رأسه وتصبب عرقه وقد نهكته تلك الأثقال وأنصبه التطواف بين جزار وبقال وهو ينظر الى ساعته في تلك الكروب يحسب كم بقي للغروب ولسان حاله يقول :
يا شمس قد طال النهار فاغربي
...................فبالغروب ينجلي ما حل بي
اني اذا ما أخذتني الدوخة
.................استذكر البراك والشخشوخة
وشربة تصنع من حب الفريك
................ وزلبية تجي من بو فريك
وعنبا وطبقا من موز
...............وقهوة معها قلب اللوز
تهيج لي في نهمة أشواقي
...............وأغتدي من ذاك للأسواق
خلوا سبيلي معشر الجموع
.............. يكفي الذي أصابني من جوع
قد كسرت من بينكم ضلوعي
.............. لو كنت أدري جئت في دروع
ثم أثبل نحوي بكل ما يحوي فبادرت اليه ثم سلمت عليه فشكا الي في الحال ومالقي في تلك الأوحال ثم قال لي : كيف حالك ورمضان فقلت : شهر يستوجب الشكران ولكن سل رمضان كيف حاله معي ان كنت ممن يعي فاننا في زمن فسدت فيه الموازين وصار ما يشين عند الناس يزين ثم حدثته بحديث لبد العجاج وأنساه خبر اللحم والدجاج حتى اذا استأنس بكلامي قلت له ك ما فعلت الزيتونة فقال : سحقا انها ملعونة ثم سألني عن حكم ذلك فقلت : القضاء على قول مالك فقال : وهل في قول غيره ما يدفع فقلت : يدفعه أن تتشفع وما أراه ينفع فاقض يوما تبرأ به الذمة وتحمد في مذاهب كل الأئمة ثم طاف عليه من أحواله طائف فأخبرني أنه نسي البقلاوة والقطايف وقال : ذلك من أحكام السمر ولذة السهر فانصرف وانصرفت وقد هاجت علي رياح الرجز فانطلق اللسان وما عجز فأنشأت أقول :
واعجبا من صوم عبد الحي
.............اذ قد غدا في سفه وغي
فان شهر رمضان طاعه
.............ولم يكن شرع للمجاعه
بل هو من رب الورى تهذيب
.............ليس لنهش لحم يا ذيب
فان مقصد شرع الله
.............في كل ما شرع يا لاهي
من ضل عن مقاصد الشريعه
............. حرم من منافع بديعه
فصم وصن في صومك اللسانا
.............وابذل لكل من ترى الاحسانا
واصغ الى خير الورى الأواب
.............فيمن يصوم الشهر باحتساب
من صام لله به محتسبا
.............يغفر له الاله ما قد أذنبا
ومثله لكل من قد قاما
.............في ليله فلتطلب المقاما
فان أكثر الورى قد غفلا
.............حتى اذا ما رمضان أفلا
لم يغنموا ما غنم السباق
.............من نالهم من ربنا اعتاق
قال الراوي لهذا الخبر :
فرجعت أجتلي من ذلك العبر واجيل فيه الفكر فجاءتني بفضائل الاستقامة وقد أودعتها هذه المقامة