صورة للإعصار ناري
إعداد فراس نور الحق
المشرف على موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن
قال الله تعالى:(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)) سورة البقرة.
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعد.
سوف نتناول اليوم آية قرآنية غنية بمثل قرآني بليغ وبآية كونية مبهرة ولكن قبل الخوض في المثل علينا نقرأ الآيات القرآنية التي قبلها حتى يتضح لنا تفسير الآية الكريم.
قال الله تعالى في سورة البقرة (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)).
التفسير المختصر:
دعت الآيات القرآنية وحثت على الإنفاق في سبيل الله وحذرت من محبطات الأعمال وهي المن والأذى والرياء، ولقد ضرب الله أربع أمثلة بليغة.
المثل الأول: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، ضرب الله مثلا للذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل الحبة التي أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة، وذلك تعبيرا على إكثار الله لأعمالهم وتنميتها يوم القيامة.
المثل الثاني:( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ).
ضرب مثلا آخر عن الذي ينفق ماله في سبيل الله ثم يفسد عمله بالمن والأذن فهو كالمرائي بعمله، أي لا تبطلوا ثواب صدقاتكم بالمن والأذى كإبطال المنافق الذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يريد بإنفاقه رضا الله ولا ثواب الآخرة فمثله كمثل الصخرة الناعمة التي عليها تراب فأصابها المطر الشديد فأذهب ما كان عليها من تراب، كذلك المن والأذى والرياء يهلكوا العمل الصلاح يوم القيامة.
المثل الثالث:
(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
(والمعنى هو مثل نفقة هؤلاء في زكاتها عند الله { كَمَثَلِ جَنَّةٍ } بستان {بِرَبْوَةٍ } مكان مرتفع، وخصها لأن الشجر فيها أزكى وأحسن ثمراً { أَصَابَهَا وَابِلٌ } أي مطر شديد « فَئَاتَتْ أُكُلُهَا » أي أثمرت مثلي ما كانت تثمر قبل بسبب الوابل { فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ } فمطر صغير القطر يكفيها لكرم منبتها، أو مثل حالهم عند الله بالجنة على الربوة ونفقتهم الكثيرة والقليلة بالوابل والطل، وكما أن كل واحد من المطرين يضعف أكل الجنة فكذلك نفقتهم كثيرة كانت أو قليلة بعد أن يطلب بها رضا الله تعالى زاكية عند الله زائدة في زلفاهم وحسن حالهم عنده {والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } يرى أعمالكم على إكثار وإقلال ويعلم نياتكم فيهما من رياء وإخلاص) تفسير النسفي بتصرف.
المثل الرابع:
(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)
(اعلم أن هذا مثل آخر ذكره الله تعالى في حق من يتبع إنفاقه بالمن والأذى، والمعنى أن يكون للإنسان جنّة في غاية الحسن والنهاية، كثيرة النفع، وكان الإنسان في غاية العجز عن الكسب وفي غاية شدة الحاجة، وكما أن الإنسان كذلك فله ذرية أيضاً في غاية الحاجة، وفي غاية العجز، ولا شك أن كونه محتاجاً أو عاجزاً مظنة الشدة والمحنة، وتعلق جمع من المحتاجين العاجزين به زيادة محنة على محنة، فإذا أصبح الإنسان وشاهد تلك الجنة محرقة بالكلية، فانظر كم يكون في قلبه من الغم والحسرة، والمحنة والبلية تارة بسبب أنه ضاع مثل ذلك المملوك الشريف النفيس، وثانياً : بسبب أنه بقي في الحاجة والشدة مع العجز عن الاكتساب واليأس عن أن يدفع إليه أحد شيئاً، وثالثاً : بسبب تعلق غيره به، ومطالبتهم إياه بوجوه النفقة، فكذلك من أنفق لأجل الله، كان ذلك نظيراً للجنة المذكورة وهو يوم القيامة، كذلك الشخص العاجز الذي يكون كل اعتماده في وجوه الانتفاع على تلك الجنة، وأما إذا أعقب إنفاقه بالمن أو بالأذى كان ذلك كالإعصار الذي يحرق تلك الجنّة، ويعقب الحسرة والحيرة والندامة فكذا هذا المال المؤذي إذا قدم يوم القيامة، وكان في غاية الاحتياج إلى الانتفاع بثواب عمله، لم يجد هناك شيئاً فيبقى لا محالة في أعظم غم، وفي أكمل حسرة وحيرة، وهذا المثل في غاية الحسن، ونهاية الكمال) تفسير الفخر الرزاي.
لقطة فيدوا لإعصار ناري في سان باولوا في البرازيل
معاني الكلمات:
ورد في لسان العرب (قال الزجاج الإِعْصارُ الرياح التي تهب من الأَرض وتُثِير الغبار فترتفع كالعمود إِلى نحو السماء وهي التي تُسَمِّيها الناس الزَّوْبَعَة وهي ريح شديدة لا يقال لها إِعْصارٌ حتى تَهُبّ كذلك بشدة ومنه قول العرب في أَمثالها إِن كنتَ رِيحاً فقد لاقيت إِعْصاراً يضرب مثلاً للرجل يلقى قِرْنه في النَّجْدة والبسالة والإِعْصارُ).
مختار الصحاح: (الإعْصَارُ ريح تثير الغُبار فيرتفع إلى السماء كأنه عمود ومنه قوله تعالى { فأصابها إعصار }).
تعريف الإعصار علمياً:
الإعصار:
هو عبارة عن عاصفة هوائية عنيفة تتميز بغيمة مخروطية دوارة تدور حول مساحة من الضغط الجوي المنخفض سرعتها لاتقل عن 74 ميل في الساعة تحدث هذه العواصف العنيفة بشكل خاص في مناطق أمريكا الوسطى والجنوبية إضافة إلى بعض مناطق الولايات المتحدة الأمريكية.
الإعصار الناري(A fire whirl): يسمى بالعامية نار الشيطان (fire devil) وهو ظاهرة نادرة تحدث في ظل ظروف معينة (اعتمادا على درجة حرارة الهواء والتيارات)، وهو إعصار يتكون من عامود من الهواء والنار له حركة دورانية وتتولد معظم الأعاصير النارية من حرائق الغابات وقد لا يتجاوز مدة هذه الأعاصير عشرات الثواني أو الدقائق ولكن تحدث دمارا هائلا لكل ما تلاقيه في طريقها.
تاريخياً:
ففي أول سبتمبر (أيلول) 1923 ضرب "زلزال كانتو العظيم" مدينة طوكيو فقتل من سكانها أكثر من 105 آلاف نسمة، وسبب حرائق صغيرة تسببت بدورها في تسخين الهواء الذي تحول بسرعة إلى جاف ونتج عنه ارتفاع في درجة الحرارة تحولت معها كتلة هوائية إلى نوع من الإعصار الصغير صدف أن مر بأحد ألسنة النار المشتعلة فحمله معه كالزوبعة ومر على شبه جزيرة صغيرة اسمها نوتو، فبقي يعبث فيها بالنار طوال 20 دقيقة أحرق خلالها ثلثي المدينة تقريبا وقتل 38 ألفا من سكانها محترقين.
صورة لمدينة كانتوا في اليابان بعد أن ضربها إعصار ناري عام 1923م
ومن دون أي زلزال ضرب إعصار ناري يوم الخميس الماضي 26-8-2010 مدينة أراساتوبا الواقعة إلى الجنوب من مدينة سان باولو في البرازيل فأشعل في بريتها وبساتينها وحقولها نيرانا هائلة، مع أنه لم يستمر سوى 30 ثانية فقط.
وهناك أبحاثا أجراها جيولوجيون وحسابات قام بها مؤرخون وعلماء بأحوال الطقس عبر التاريخ دلت على أن "حريق روما الكبير" لم يكن من فعل نيرون كما هو شائع، بل من إعصار ناري مر على المدينة المصنوع معظم بيوتها من الخشب في العام 64 قبل الميلاد، فأتى عليها بالكامل، أما نيرون فثبت للمؤرخين أنه كان في مدينة أخرى حين أبلغوه النبأ فأسرع ليشارك هو نفسه بإطفاء الحريق، لكنه حين وصل وشاهد المدينة مشتعلة بالحرائق أمامه عرف بأن الإطفاء أمر مستحيل، فانهار وراح يبكي حزنا عليها.