أخي كثيراً ما يتجرأ الإنسان إذا كان وحيداً غائباً عن أعين الناس على أمور لا يتجرأ عليها أمامهم.
جرب ان تشتري كامير فيديو او ويب كام و علقها في غرفتك او في غرفة المعيشة ( حيث يوجد التلفاز )
ثم سجل عن طريق ال فيديو ما تفعله وشاهد الشريط و اطلعني علي احساسك ... ماذا تشعر؟
قد يبتعد الإنسان عن المعاصي والذنوب إذا كان يحضره الناس، وعلى مشهد منهم، لكنه إذا خلا بنفسه، وغاب عن أعين الناس، أطلق لنفسه العنان، فاقترف السيئات، وارتكب المنكرات، ( وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً ) [الإسراء:17] ( وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) [البقرة: 74].
بل إن الإنسان ليقع في ذنب، لو كان بحضرته طفل لامتنع من الوقوع فيه، فصار حياؤه من هذا الطفل أشد من حيائه من الله جل وعلا، أتراه - في هذه الحالة - مستحضراً قول الله تعالى: ( أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ) [البقرة:77]
(أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) [التوبة: 78].
ويحك يا هذا، إن كانت جراءتك على معصية الله لاعتقاد أن الله لا يراك، فما أعظم كفرك، وإن كان علمك باطلاعه عليك، فما أشد وقاحتك، وأقل حياءك!! ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ) [النساء:108].
من أعجب الأشياء أن تعرف الله ثم تعصيه، وتعلم قدر غضبه ثم تعرض له، وتعرف شدة عقابه ثم لا تطلب السلامة منه، وتذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تهرب منها ولا تطلب الأنس بطاعته.
قال قتادة: ( ابن آدم، والله إن عليك لشهوداً غير متهمة في بدنك، فراقبهم، واتق الله في سرك وعلانيتك، فإنه لا يخفى عليه خافية، الظلمة عنده ضوء، والسر عنده علانية، فمن استطاع أن يموت وهو بالله حسن الظن فليفعل، ولا قوة إلا بالله ).
وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ [فصلت:23،22].
قال ابن الأعرابي: ( آخر الخاسرين من أبدى للناس صالح أعماله، وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد )
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوت ولكن قل عليّ رقيبُ
ولا تحسبنّ الله يغفل ساعةً *** ولا أن ما نخفيه عنه يغيبُ
وكان من دعاء النبي : { أسألك خشيتك في الغيب والشهادة } والمعنى أن العبد يخشى الله سراً وعلانية، ظاهراً وباطناً، فإن أكثر الناس قد يخشى الله في العلانية وفي الشهادة، ولكن الشأن خشية الله في الغيب إذا غاب عن أعين الناس فقد مدح الله من خافه بالغيب.
وكان بكر المزني يدعو لإخوانه: ( زهّدنا الله وإياكم في الحرام، زهادة من أمكنه الحرام والذنب في الخلوة فعلم أن الله يراه فتركه ).
وقال بعضهم: ( ليس الخائف من بكى فعصر عينيه، إنما الخائف من ترك ما اشتهى من الحرام إذا قدر عليه ).
إذا السر والإعلان في المؤمن استوى *** فقد عزّ في الدارين واستوجب الثنا
فإن خالف الإعلان سراً فما له *** على سعيه فضل سوى الكدّ والعنا
فهل ما تفعله وحدك تستطيع أن تفعله أمام الناس؟
أمام آلات التصوير...؟
أمام آلات تصوير الفيديو...؟
لاشك أنك توافقني أن الإجابة التي تصلح لكل تلك الأسئلة دون تردد "لا". لم ذلك؟
لأنه الحياء، إذا كان الحياء يمنعك عن ذلك أليس أولى من تستحي منه هو الله الذي يعلم السر وأخفى... يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19].
في الحديث: قال النبي : { لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباءً منثوراً }، قيل: يا رسول الله صفهم لنا، جلّهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم؟ قال: { أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلو بمحارم الله انتهكوها }.