بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، و الصلاة و السلام على رسول الله ، و على آله و صحبه و من اهتدى بهداه ، أما بعدُ :
فهذه فروق العقيدة من مؤلفات الإمام / أبي عبدالله محمد بن أبي بكر الدمشقي
، الشهير بابن قيم الجوزية - رحمه الله - (ت751) ، جمعتها ، و رتبتها ، لم
أستعن فيها بحاسب ، و لا صاحب ، و قد عزوت كل فرق إلى موضعه ، و إن كان في
مواضع اكتفيت بأكملها ، إلا إذا كانت فائدةٌ من التكرار ، و الله ولي
التوفيق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــ
1- [size=21]الفَرْقُ بَيْنَ : "تَوْحِيْدِ المُرْسَلِيْنَ" وَ "تَوْحِيْدِ المُعَطِّلِيْنَ" :
قال – رحمه الله - : "الفرق بين : "توحيد المرسلين" و "توحيد المعطلين" :
أنَّ توحيد الرُّسل إثباتُ صفات الكمال للهِ على وجْه التَّفصيل ، و
عبادتُهُ - وحده ، لا شريك له ؛ فلا يُجْعَل له نِدٌّ في قَصْدٍ ، و لا حُب
، و لا خوف ، و لا رجاء ، و لا لفظٍ ، و لا حَلِفٍ ، و لا نذر ؛ بل يَرْفع
العبدُ الأندادَ له من قلبِهِ ، و قصدِهِ ، و لسانِهِ ، و عبادتِهِ ؛ كما
أنَّها معدومةٌ في نفس الأمر ، لا وجودَ لها البتةَ فلا يَجعل لها وجوداً
في قلبه ، و لسانه .
و أما : "توحيد المعطلين" : فنَفْيُ حقائق أسمائه ، و صفاته ، و تعطليها . و
مَنْ أمكنه منهم تعطليها من لسانه عطَّلها ؛ فلا يذكرها ، و لا يذكر آيةً
تتضمنها ، و لا حديثاً يصرِّح بشيء منها ، و من لم يُمكنه تعطيل ذِكْرِها
سَطَا عليها بالتحريف ، و نَفَى حقيقتَها ، و جعلها اسماً فارغاً ، لا معنى
له ، أوْ معناه من جنس الألغاز ، و الأحَاجِيِّ - على أنَّ مَن طَرَدَ
تعطيلَه منهم يلزمه في ما حرَّف إليه النصَّ من المعنى نظيرُ ما فَرَّ منه
سواءً : فإنْ لزم تمثيلٌ ، أو تشبيهٌ ، أو حدوثٌ في الحقيقة : لزم في
المعنى - الذي حَمَلَ عليه النصَّ - ، و إنْ لم يلزم في هذا فهو أولى أنْ
لا يلزمَ في الحقيقة ، فلما عَلِمَ هذا لم يمكنه إلا تعطيل الجميع ، فهذا
طَرْدٌ لأصْلِ التعطيل ، و الفَرْقُ أقْرب منه ، و لكنه متناقضٌ ؛ يتحكم
بالباطل ؛ حيث أثبت لله بعض ما أثبته لنفسه ، و نفى عنه البعضَ الآخَرَ ، و
اللازمُ الباطلُ فيهما واحدٌ ، و اللازمُ الحقُّ لا يفرق بينهما .
و المقصود : أنهم سَمَّوا هذا التعطيلَ توحيداً ، و إنما هو إلحادٌ في
أسماء الرَّبِّ – تعالى - ، و صفاته ، و تعطيلٌ لحقائقها "ا.ه["الروح"ص ،و
انظر :"الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية"ص136،180،199]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- الفَـرْقُ بَيْـنَ : "تَنْـزِيْهِ الرُّسُلِ" وَ "تَنْـزِيْهِ المُعَطِّـلَةِ" :
قال – رحمه الله - : " و الفرق بين : "تنـزيه الرُّسل" و : "تنـزيه
المعطِّلة" : أَنَّ الرُّسل نزهوه – سبحانه - عن النقائص ، و العيوب - التي
نزه نفسه عنها - ؛ و هي المنافيةُ لكماله ، و كمال ربوبيته ، و عظمتِهِ
كالسِّـنَة ، و النَّوم ، و الغفلة ، و الموت ، و اللغوب ، و الظلم ، و
إرادته ، و التَّسمِّي به ، و الشريكِ ، و الصَّاحبة ، و الظَّهير ، و
الولد ، و الشفيع بدون إذنه ، و أَنْ يَتْرُكَ عبادَه سُدَىً ، هَمَلاً ، و
أَنْ يكون خَلَقَهم عبثاً ، و أَنْ يكون خَلَق السموات ، و الأرض ، و ما
بينهما باطلاً : لا لثوابٍ ، و لا عقابٍ ، و لا أمرٍ ، و لا نهي ، و أن
يُسَوِّى بين أوليائه ، و أعدائه ، و بين الأبرار ، و الفجار ، و بين
الكفار ، و المؤمنين ، و أَنْ يكون في مُلْكه ما لا يشاء ، و أَنْ يَحْتَاج
إلى غيرِهِ بوجهٍ من الوجوه ، و أَنْ يكون لغيره معه من الأمر شيءٌ ، و أن
يَعْرِض له غفلةٌ ، أو سَهْوٌ ، أو نسيانٌ ، و أَنْ يُخلف وعدَهُ ، أو
تُبَدَّلَ كلماتُهُ ، أو يُضَاف إليه الشَّـرُّ : اسْماً ، أو وصْفَاً ، أو
فعلاً ؛ بل أسماؤه كلُّها حسنى ، و صفاته كلها كمال ، و أفعاله كلها خير ،
و حكمة ، و مصلحة . فهذا تنـزيه الرُّسل لربِّهم .
و أما المعطلون فنـزهوه عما وصف به نفسه من الكمال ؛ فنـزَّهوه عن أَنْ
يَتَكلم ، أو يُكَلِّم أحداً ، و نزَّهوه عن استوائه على عرشه ، و أَنْ
تُرفع إليه الأيدي ، و أَنْ يصعد إليه الكلم الطيب ، و أن ينـزل من عنده
شيءٌ ، أو تعرج إليه الملائكة ، و الرُّوح ، و أَنْ يكون فوق عباده ، و فوق
جميع مخلوقاته ، عالياً عليها ، و نزَّهوه أَنْ يَقبض السموات بيده ، و
الأرض باليد الأخرى ، و أَنْ يُمسك السموات على إصبع ، و الأرض على إصبع ، و
الجبال على إصبع ، و الشجر على إصبع ، و نزهوه أَنْ يكون له وجهٌ ، و أَنْ
يَراه المؤمنون بأبصارهم في الجنة ، و أَنْ يُكلِّمهم ، و يسلم عليهم ، و
يتجلى لهم ضاحكاً ، و أَنْ ينـزل كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا ، فيقول :
"من يستغفرني ؛ فأغفرَ له ، مَنْ يسألني فأعطيَهُ" ، فلا نزول – عندهم - ، و
لا قول ، و نزَّهوه أَنْ يفعل شيئاً لشيءٍ ؛ بل أفعالُهُ لا لحكمةٍ ، و لا
لغرضٍ مقصودٍ ، و نزَّهوه أَنْ يكون تامَّ المشيئة ، نافذَ الإرادة ؛ بل
يشاء الشيءَ ، و يشاء عبادُهُ خلافَه ، فيكون ما شاء العبدُ دون ما شاء
الربُّ ، و لا يشاء الشىءَ ، فيكون ، فيكون ما لا يشاءُ ، و يشاء ما لا
يكون ، و سموا هذا عدْلاً ؛ كما سمَّوا ذلك التنـزيهَ توحيداً .
و نزَّهوه عن أَنْ يُحِبَّ ، أو يُحَبَّ ، و نزَّهوه عن الرأفة ، و الرحمة ، و الغضب ، و الرضا .
و نزهه آخَرُون عن السمع ، و البصر ، و آخرون عن العلم ، و نزَّهه آخرون عن
الوجود ؛ فقالوا : " الذي فَـرَّ إليه هؤلاء المنـزِّهون من التشبيه ، و
التمثيل يلزمنا في الوجود ؛ فيجب علينا أَنْ ننـزِّهه عنه" .
فهذا تنـزيهُ المُلْحدين ، و الأول تنـزيه المرسلين"ا.ه["الروح"ص387]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3-الفَرْقُ بَيْنَ : " إِثْبَاتِ حَقَائِقِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ" وَ بَيْنَ "التَّشْبِـيْهِ وَالتَّمْثِـيْلِ" :
قال – رحمه الله - : "الفَرْق بين : " إِثبات حقائق الأسماء والصفات" و بين
"التَّشبيه والتَّمثيل" : ما قاله الإمام أحمدُ ، و مَنْ وافقه مِن أئمة
الهدى : "إِنَّ التشبيه و التمثيل : أَنْ تقول : "يدٌ كيدي ، أو سمعٌ كسمعي
، أو بصرٌ كبصري" ، و نحو ذلك .
و أمَّا إذا قلتَ : "سمعٌ ، و بصرٌ ، و يدٌ ، و وجهٌ ، و استواءٌ لا يماثل
شيئاً من صفات المخلوقين ؛ بل بين الصِّفة والصِّفة مِن الفرق كما بين
الموصوف و الموصوف" : فأيُّ تمثـيلٍ ههنا ؟! و أيُّ تشبـيهٍ ؟! لولا تلبيسُ
الملحدين .
فمدارُ الحقِّ - الذي اتفقت عليه الرسل - على أنَْ يُوصف اللهُ بما وصف به
نفسه ، و بما وصفه به رسوله من غير تحريف ، و لا تعطيل ، و من غير تشبيهٍ ،
و لا تمثـيلٍ ، إثبات الصفات ، و نفيُ مشابهة المخلوقات ؛ فمَنْ شبَّـه
الله بخلقه فقد كفر ، و مَنْ جحد حقائق ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، و
مَنْ أثبت له حقائق الأسماء و الصفات ، و نفى عنه مشابهة المخلوقات فقد
هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيمٍ"ا.ه[الروح"ص388]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4- الفَرْقُ بَيْنَ : "تَجْرِيْدِ التَّوْحِيْدِ" وَ "هَضْمِ أَرْبَابِ المَرَاتِبِ" :
قال - رحمه الله - : "و الفَرْق بين : "تجريد التَّوحيد" و بين : "هَضْم
أرباب المراتب" : أَنَّ تجريد التوحيد أَنْ لا يُعْطَى المخلوقُ شيئاً من
حقِّ الخالق ، و خصائصه ؛ فلا يُعبد ، و لا يُصلَّى له ، و لا يُسجد ، و لا
يُحلف باسمه ، و لا يُنذر له ، و لا يُتوكَّل عليه ، و لا يؤله ، و لا
يُقْسَم به على الله ، و لا يُعبد ليُـقَرِّب إلى الله زلفى ، و لا يُسَاوى
بربِّ العالمين في قول القائل : "ما شاء الله و شئت " ، و "هذا منك و من
الله" ، و "أنا بالله و بك" ، و "أنا متوكِّل على الله و عليك" ، و "الله
لي في السماء ، و أنت لي في الأرض" ، و "هذا من صدقاتك و صدقات الله" ، و
"أنا تائب إلى الله و إليك" ، و "أنا في حسب الله و حسبك" ، فيسجد للمخلوق
كما يسجد المشركون لشيوخهم ، يَحْلق رأسه له ، و يحلف باسمه ، و ينذر له ، و
يسجد لقبره بعد موته ، و يستغيث به في حوائجه ، و مهماته ، و يرضيه بسخط
الله ، و لا يُسخطه في رضا الله ، و يتقرب إليه أعظم مـمَّا يتقرب إلى
اللهِ ، و يُحِبه ، و يخافه ، و يرجوه أكثرَ مِمَّا يحب اللهَ ، و يخافه ، و
يرجوه ، أو يساويه ؛ فإذا هُضِم المخلوقُ خصائصَ الرُّبـوبية ، و
أُنْـزِلَ منـزلةَ العبد المحض - الذي لا يملك لنفسه فضلاً عن غيره ضراً ، و
لا نفعاً ، و لا موتاً ، و لا حياةً ، و لا نشوراً - : لم يكن هذا تنقصاً
له ، و لا حطَّاً من مرتبته - و لو رغم المشركون - ؛ و قد صحَّ عن سيد ولد
آدم - صلواتُ الله و سلامه عليه – أَنَّـه قال : "لا تُطروني كما أطرت
النصارى ابنَ مريم ؛ فإنما أنا عبد ؛ فقولوا : "عبدُ الله ، و رسولُهُ" ، و
قال : "أيُّها الناس ما أُحب أَنْ تَـرفعوني فوق منـزلتي" ، و قال : "لا
تتخذوا قبري عيداً" ، و قال : "اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعْـبَدُ" ، و
قال : "لا تقولوا :"ما شاء الله و شاء محمد" " ، و قال له رجلٌ : "ما شاء
الله و شئتَ" ؛ فقال : "أجعلتني لله نداً" ، و قال له رجلٌ - قد أذنب - :
"اللهمَّ إني أتوب إليك ، و لا أتوب إلى محمدٍ" ؛ فقال : "عَرَفَ الحقَّ
لأهله" ، و قد قال الله له : "ليس لك من الأمر شيءٌ"[آل عمران:128]، و قال :
"قل إِنَّ الأمر كلَّه لله"[آل عمران:154]، و قال : "قل لا أملك لنفسي
ضراً و لا نفعاً إلا ما شاء الله"[يونس:49]، و قال : "قل إني لا أملك لنفسي
ضراً و لا رشداً قل إني لن يجيرني من الله أحدٌ و لن أجد من دونه
ملتحداً"[الجن :21-22]، أي : لن أجد من دونه من ألتجىء إليه ، و أعتمد عليه
، و قال لابنته فاطمةَ ، و عمِّه العباسِ ، و عمَّتِهِ صفيةَ : "لا أملك
لكم من الله شيئاً" ، و في لفظٍ في الصحيح : "لا أغني عنكم من الله شيئاً" .
فعظم ذلك على المشركين بشيوخهم ، و آلهتهم ، و أَبوا ذلك كلَّه ، و
ادَّعَوْا لشيوخهم ، و معبوديهم خلافَ هذا كلِّه ، و زعموا أَنَّ مَنْ
سَلَبَهُم ذلك فقد هضمهم مراتبَهم ، و تنقَّصَهم ، و قد هضموا جانب
الإلهيَّة غايةَ الهضْم ، و تنقَّصوه ؛ فلهم نصيبٌ وافرٌ من قوله – تعالى -
: "و إذا ذُكر الله وحده اشمأزَّت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة و إذا ذكر
الذين من دونه إذا هم يستبشرون"[الزمر:45]"ا.ه ["الروح"ص388-390]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5- الفَرْقُ بَيْنَ : "الحَنِـيْفِيَّةِ" وَ "التَّـوْحِيْدِ" :
قال – رحمه الله - : "الحَنيفيَّةُ و التَّوحيدُ : هي دين جميع الأنبياءِ –
الذي لا يَقبل الله من أحدٍ ديناً سواه - ، و هو الفِطْرة – التي فَطَر
الله عليها عبادَه - .
فمَنْ كان عليها فهو المهتدي ، لا مَنْ كان يهودياً ، أو نصرانياً ؛ فإِنَّ
الحنيفيةَ تتضمَّن الإقبالَ على الله بالعبادةِ ، والإجلالِ ، و التعظيمِ ،
و المحبةِ ، و الذلِّ .
والتَّـوحيدُ يتضمَّن إفرادَه بهذا الإقْـبَال دون غيره ؛ فيُـعْبَد وحده
يُحَب و حده ، و يُطَاع وحده ، ولا يُجْعَل معه إلهٌ آخرُ"ا.ه ["بدائع
الفوائد" 4/156] [/size]