الاتحا د المغاربي
يهدف الاتحاد المغاربي إلى فتح الحدود بين الدول الخمسة لمنح حرية التنقل الكاملة للأفراد والسلع، والتنسيق الأمني، ونهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين، والعمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها من خلال تمتين أواصر الاخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها ببعض ؛و تحقيق تقدم رفاهية مجتمعاتها والدفاع عن حقوقها وكذا نهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين. لكن هناك العديد من المشاكل التي أعاقت مسيرة الاتحاد المغاربي يمكن تشخيص أبرز مظاهر انعكاساتها السلبية، بين دول الاتحاد و التي أعاقت تقدم المشروع المغاربي فمشكلات الحدود بين المغرب والجزائر كانت من أكثر مشكلات الحدود العربية حدة وسخونة، حيث سببت نزاعاً وصل إلى حد الاشتباك المسلح عام 1963. فقد اختلف الجانبان حول منطقة"تندوف" , ومشكلة الحدود بين تونس وليبيا حول"الجرف القاري"، في المياه الإقليمية أو تونس والجزائر والمتمثلة في الخلاف حول النقطة رقم (233)، التي تسلمتها الجزائر من الإدارة الفرنسية بعد الاستقلال، والتي اعتبرتها تونس تابعة لها. الاختلاف بين نُظم الحكم في الدول المغاربية : كانت الوحدة المغاربية، خلال فترة الكفاح من أجل الاستقلال، حلماً سياسياً، إلا أنها بعد الاستقلال صارت طموحاً اقتصادياً وقد ظهر هذا العامل واضحاً في الموقف الليبي من مسيرة المغرب العربي بعد تولي القذافي، واتباعه منهج الناصرية بشعاراتها، كدليل عمل يحكم علاقات الدول الخارجية. ومن ثم كانت ليبيا تعتبر المشروع المغاربي إطاراً للتجزئة يتعارض مع سعيها للوحدة الشاملة.
وفي إطار الخلافات حول مشكلة الصحراء، طرحت الجزائر فكرة (مغرب الشعوب) في مواجهة (مغرب الدول)، إلا أن الوقائع أثبتت أن المشكلات يمكن أن تطال حتى (مغرب الشعوب)، فقد شهدت السبعينات والثمانينات عمليات طرد متبادلة للعمالة والمواطنين، في دول المغرب ، إضافة إلى المضايقات التي يتعرض لها المسافرون عبر الحدود والمنافذ الجوية والبحرية. ولعل طبيعة نُظم الحكم السائدة كانت سبباً من أسباب عرقلة تقدم مشروع المغرب العربي في الممارسة السياسية، لاسيما في ظل غياب أدنى صورة من صور المشاركة الشعبية الحقيقية الفاعلة، التي تدفع في اتجاه الأخذ بمصالح الجماهير.
أما أزمة الثقة بين الأنظمة الحاكمة فهي تعود في جانب منها إلى فترة الكفاح الوطني ضد الاستعمار وبداية الاستقلال إلا أنها تفاقمت بعد ذلك مع ظهور مشاكل الحدود، والخلافات الإقليمية، فضلاً عن محاولات التدخل المتبادلة في الدول المجاورة، وتسليح وتدريب وتشجيع الكوادر المعارضة. كل ذلك أدى إلى انعدام الثقة والشك، حتى عند تفسير ما يبدو سلوكاً ودياً تظهره بعض الأنظمة تجاه الأخرى. وقد شكَّل هذا الأمر عائقاً أمام أي وفاق إقليمي بل كان في الغالب سبباً في إضعاف فرص الحل للمشكلات المعلقة حينما تتوافر الظروف الموضوعية لحلها
أما من . المشكلات المستجدة التي طرأت على دول المغرب العربي مشكلة الإرهاب الداخلي في الجزائر ومتعلقاتها وآثارها الجانبية، فهي مسألة تصرف اهتمام الجزائر إلى قضاياها الداخلية، فضلا عن تحولها إلى إحدى عوامل الخلاف بين الجزائر والمغرب، عقب حوادث تخريبية في المغرب اتُهمت الجماعات الجزائرية المتطرفة بتدبيرها، وأُغلقت على إثرها الحدود بين الدولتين وتشكل قضية المحافظة على الاستقرار الداخلي أولوية على قائمة اهتمامات دول الاتحاد المغاربي. وهي قضية ذات حدين: فهي يمكن أن تجمع دول الاتحاد في جهد مشترك، من أجل مواجهة العنف والإرهاب وإعادة الاستقرار الداخلي في هذه الدول، بما يسمح باستئناف برامج التنمية. إلا أنها كذلك يمكن أن تكون أحد أسباب الخلاف والاحتكاك. ولعل هذه القضية كانت وراء تراجع دول الاتحاد عن المضي قدماً في عقد اتفاقية تسمح بفتح الحدود للانتقال الحر لمواطني دول الاتحاد، عن طريق إصدار هوية موحدة للمواطنين.
ظلت فكرة"المغرب العربي" تشكل حلماً للشعوب والساسة المغاربة طوال فترة الاستعمار الأوروبي للمنطقة. وقد ظل هذا الحلم يراود شعوب المنطقة نحو ثلاثين عاماً، قبل أن يتحول إلى حقيقة بإعلان قيام"اتحاد المغرب العربي" في 17 فيفري 1989م، ولكن لم تلبث المشاكل أن واجهت الاتحاد الوليد عقب إعلانه بشهور قليلة. فقد بدأت المشاكل الثنائية تدب بين الحين والآخر لأسباب عديدة تم ذكرها وقد أصبحت هذه المشاكل عقبة في تقدم مسيرة الاتحاد المغاربي نحو التكامل الاقتصادي المنشود، الذي وضعته معاهدة مراكش.
وعلى الرغم من توافر عوامل الوحدة بين دول المغرب العربي، متمثلة في وحدة الدين واللغة والتقاليد والثقافة، والتشابه إلى حد كبير في الاقتصاد والظروف الطبيعية والمناخية والحوار والروابط الاجتماعية، إلاّ أن كل هذه العوامل المشتركة ـ التي لم تتوافر لأي تجمع إقليمي آخر في العالم سوى الوطن العربي ـ لم تساعد الاتحاد المغاربي على تحقيق أهدافه، في حين استطاعت المجموعة الأوربية التحول إلى كيان اقتصادي موحد، وسوف تصل إلى مرحلة الاندماج الكامل. على الرغم من اختلاف الثقافات وتباين اللغات وتباعد المذاهب والأديان.
إن البلدان العربية بصفة عامة، والدول المغاربية بصفة خاصة، تستطيع تحقيق السوق المشتركة، والوصول إلى مرحلة الوحدة الكاملة بسهولة، إذا صدقت النوايا، وارتفعت مصالح الشعوب على المصالح الشخصية، وجُعلت المصالح المشتركة فوق الاعتبارات الذاتية أو الوطنية الضيقة من خلال تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية للدول الأعضاء واتخاذ ما يلزم اتخاذه من وسائل لهذه الغاية، خصوصا بإنشاء مشروعات مشتركة وإعداد برامج عامة ونوعية في هذا الصدد.وإقامة تعاون يرمي إلى تنمية التعليم على كافة مستوياته وإلى الحفاظ على القيم الروحية والخلقية والمستمدة من تعاليم الإسلام السمحة وصيانة الهوية القومية العربية واتخاذ ما يلزم اتخاذه من وسائل لبلوغ هذه الأهداف، خصوصا بتبادل الأساتذة والطلبة وإنشاء مؤسسات جامعية وثقافية ومؤسسات متخصصة في البحث تكون مشتركة بين الدول الأعضاء، وهو الخيار الذي سارت عليه الدول الأوروبية إلى أن وصلت إلى الكيان الاقتصادي الموحد.