قال تعالى: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا"
قال صلى الله عليه وسلم: "لو لم تذنبون لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم"
التوبة
هي أول منازل الإيمان وأوسطها وآخرها، فلا ينبغي أن تفارق التوبة العبد
السائر إلى ربه حتى الممات، سواء في رمضان وفي غيره لقوله تعالى:
"وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ"، فهذا أمر من الله سبحانه وتعالى لجميع المؤمنين بالتوبة،
التي هي درب المؤمن وفلاحه، فالناس قسمين إما تائب إلى الله عائد إليه وإما
ظالم لنفسه بعيد عن ربه فلنختر لأنفسنا أي المنزلتين وأي الطريقين نسلكه
بعد انقضاء رمضان لأن العمر ليس رمضان وحده. وقال تعالى: "وَمَن لَّمْ
يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون"، فقسم سبحانه وتعالى العباد إلى
هذين الصنفين تائب أو ظالم، وليس هناك خيار ثالث وقد يسأل المرء نفسه ويقول
مما نتوب وهو يظن نفسه مبتعدا عن الذنوب، مجتهدا في الطاعات، ولكن رغم
ذلك فالتوبة لا بد أن تكون ملازمة للعبد ما دام في عمره بقية، فإن خير
البشر محمد صلى الله عليه وسلم وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كان
يتوب إلى الله كل يوم. فقال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس توبوا إلى
الله، فو الله إني لأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".
ومن
من الأمور التي ينبغي التوبة منها يوميا من الأمور التي يقترفها العبد
ربما دون قصد منه، النظر إلى المحرمات واتباع خائنة الأعين، أو الوقوع في
الغيبة أو الإستهزاء بالمسلمين من باب المزاح، وهل هناك من لم يتأخر عن
الصلاة ويتكاسل عن أدائها في وقتها ولو ليوم من الأيام. ومن الأمور التي
ينبغي للمرء أن يتوب منها أيضا كل يوم، أن يكون العبد أخلف وعدا يوما أو
كذب كذبة ولو مازحا، فكل هذه الأشياء ينبغي للمرء التوبة منها والمسارعة
إلى الإستغفار، عسى أن ينال رضى الله عز وجل، وهو الأمر الذي فضل به الله
عباده الصالحين وأولياءه على الذين ظلموا أنفسهم بأن منّ على هؤلاء
بالتوبة وحُرِم منها آخرون.
ومن
شروط التوبة النصوح؛ الإقلاع عن الذنب والندم على ما فات مع التحسر على
ما فرط العبد من حسنات وأعمال خير طيلة فترة عصيانه، فمن لم يحس بذلك فإن
توبته ناقصة وأن نفسه لم تستشعر بعد حلاوة التوبة، كما أن تكرار الذنب مرة
بعد مرة مع الرضى به، لا يصح القول بأن صاحبه قد تاب منه فلابد من العزم
وصدق النية في الإقلاع عن الذنوب، بحيث يكون للمرء رغبة شديدة في عدم
العودة إلى الذنب مرة أخرى. ولابد للمرء أن يرد المظالم إلى أهلها إن كانت
التوبة من أفعال اقترفها التائب في حق غيره، أو طلب الصفح منه حتى تكون
التوبة تامة ومقبولة عند الله عز وجل، كما أن التوبة يشترط فيها التوبة من
كل الذنوب والمعاصي دفعة واحدة، فلا يصح توبة المرء من الكذب ويطلق بصره
في الحرام، كما لا ينبغي أن يكون في نفس العائد إلى الله بصدق تردد أو
تسويف بل يجمع ويبادر دون انتظار.
ولا
بد للتوبة أن تكون خالصة لوجه الله؛ منبعها خوف الله وخشيته والرغبة في
رضاه وعفوه، وألا تكون خوفا من سخط الناس أو طلبا لرضى البشر، لذلك لا بد
أن يحرص التائب أن تكون توبته خالصة لوجه الله عز وجل حتى يفرح به ويوفقه
ويثبته على ذلك لأن التوبة هي بداية الطريق إلى الله وليست نهايته، لقوله
صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار
ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها".
وفي
النهاية، فإن التوبة هي سنة الحياة الدنيا، ولن تكون هناك توبة لو لم تكن
هناك معصية، فلا ينبغي للعبد أن يقنط من رحمة الله ويحقر نفسه لأنه اقترف
الكثير من الذنوب، فإنه مهما بلغ العبد المعاصي فإن رحمة الله أكبر، فلا
ينبغي أن يقول العبد في نفسه أنا سيء، أو أنا مطرود من رحمة الله ولن
أستطيع أن أتوب، وقد صلى الله عليه وسلم في هذا: "لو لم تذنبون لذهب الله
بكم، ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم"، ثم إن التوبة خلقت أصلا
لمحو المعصية وخير الخطائين التوابون، فلا ينبغي تضييع هذه الفرصة قبل أن
لا يكون هناك فرصة أخرى.