مَنْ يتأمل في أحوال البشر يرى أن الكثير قد حرم نفسه الخير، وفوَّت على نفسه الفرص، وأبى متعمداً الالتحاق بقافلة النجاحين؛ وذلك من جراء الضعف الشديد في التعامل مع الأحداث، والقصور العجيب في الرؤية المستقبلية؛ فهم يجنحون للتعامل مع المُلاحظ الصغير (المباشر) بكفاءة عالية, ولديهم في المقابل ترهلٌ عجيب تجاه الأحداث الكبيرة (غير المباشرة)! فالمتاعب البعيدة ذات الطابع التراكمي لا تلفت انتباههم الكثير، ويعانون ضعفاً في حساسيتهم تجاه التنبه لها! ومردُّ هذا - كما يقول أحد الفلاسفة - رغبتهم الجارفة في تجنُّب الألم الناتج من بذل الجهد وضبط النفس اللازم للقيام بالمهمات في بداياتها! وفات عليهم أن الجهد الذي يُبذل في مواجهة بعض الأمور أسهل بكثير من الجهد الذي نحتاج إليه لمغالبة آثارها ومعالجة جروحها, وأشد من هذا جهد مواجهة الضغوط النفسية التي ستواجَه من جراء التقصير، وهي ما تُسمى بألم الندم! إذن، فلا غرابة أن تمتلئ الحياة بالمنكسرين مهزومي الروح والجسد والعقل, الذين اعتنقوا مبدأ (الهروب) من المواجهات الصغيرة، التي لم تجعلهم في مأمن من مواجهات مستقبلية كبيرة أشد شراسة وضراوة.. وتلك بعض من المواقف والمشاهد والصور في هذا الشأن:
1- الجهد المبذول في (السيطرة على الغضب) أسهل بكثير من جهد الاعتذار في المستقبل ومحاولة تعديل الأوضاع ومعالجة آثار الطعنات.
2- الجهد المبذول في (مواجهة المشكلات) في بداياتها والتصدي لها أسهل بكثير من الجهد المبذول في حلها بعد تأزمها وتعمقها.
3- جهد (الرجيم) والسيطرة على شره النفس وممارسة الرياضة يومياً أهون بكثير من تحمُّل متاعب السمنة وأضرارها البالغة على الجسم والنفس.
4- جهد (الدقائق السبع) في أداء الفروض الخمسة يوميا جائزتها نفس وادعة وقلب مطمئن ومشاعر جميلة وروح ساكنة في باقي يومك، وهو لا يقارن بالألم الذي يخلفه هجرها من غربة للروح وتعاسة للنفس.
5- جهد (التوفير)، وهو لا شك من علامات قوة السيطرة على النفس، أهون بكثير من ألم الدَّين أو ألم طلب الآخرين ومد اليد إليهم.
6- جهد (التربية)، وهي تحتاج إلى مثابرة وعمل دائب مستمر، وتحتاج إلى قراءة وثقافة، وإلى مال ينفق ووقت يُصرف, وتظل كل تلك الجهود أهون بكثير من جهد إصلاح انحرافات الأولاد، وأهون من ألم عقوقهم وسوء خلقهم.
7- الجهد المبذول في (تحقيق الأهداف) أهون بكثير من ألم الندم بعد انقضاء العمر وانصرام الأيام دون بصمة تُذكر في الحياة أو ذكر حسن.
8- الجهد المبذول في (تنظيم الحاجيات) والأغراض الشخصية أسهل من جهد البحث عنها واستنزاف الوقت وحرق الأعصاب في عملية البحث عنها.
9- جهد الطالب في (المذاكرة) ومتابعة دراسته أيسر بكثير من الجهد الذي سيبذله في المستقبل لمغالبة جيوش الهمّ عندما يتخلف عن الركب ويسجن في زنزانة البطالة.
10- الجهد المبذول في (بر الوالدين) أهون بكثير من ألم الندم وعذابات الذكريات بعد وفاتهما وجهد تحمُّل عقوق الأبناء.
11- الجهد الذي تبذله الزوجة في (الاعتناء بنفسها) وبيتها أقل بكثير من الجهد الذي ستبذله عندما يفارقها زوجها أو يتزوج عليها من جراء تقصيرها.
12- الجهد المبذول في (الاعتذار مباشرة من طلبات الآخرين) أهون بكثير من جهد تحمُّل الضغوطات الناتجة من الاستجابة رغم عدم القدرة أو جهد تحمُّل كلمات العتب واللوم بسبب عدم التنفيذ.
وأخيرا أيها العزيز.. كُنْ شجاعاً كيساً فطناً، واركب صهوة النجاح باستثمار القدرات وحسن استشراف المستقبل وجودة التخطيط متوكلاً على الله، مستعيناً به، وبعدها سترقى إلى ذروة المجد، وستسمو إلى شرفات النجاح.
ومضة قلم
ينام عميقاً مَنْ لا يملك ما يخاف من فقدانه