ريادة الأعمال .. كمًا وكيفًا
لا يخفى على المتابع لتوجهات حكومات دول الخليج العربي أن معظمها خلقت
برامج لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، المبتدئة والناشئة، وخصصت لهذه
البرامج عشرات المليارات، سواء من الجهات الحكومية أو شبه الحكومية، ولو
وظف هذا الدعم بشكل فاعل، لنتج منه كثير من الشركات التي قد تكون قيادية
يومًا ما. في المملكة، أنيطت هذه المهمة بشكل رئيس لبنك التسليف، وقد ضخت
به عشرات المليارات أخيرًا لكي توظف بعضها في هذا المضمار، وقد دعم البنك
برامج أخرى بشروطه نفسها التي لا يتوافق مجملها مع الهدف المناط بها.
عندما تكون معظم البرامج الحكومية تحمل شروط بنك التسليف نفسه؛ لأنه هو
الداعم لها، فلا داعي أصلاً لوجودها من البداية، إذ لو تم افتتاح مكاتب
لبنك التسليف في مختلف المؤسسات التنموية لوفر كثيرًا من العبء على هذه
البرامج؛ إذ إن البنك هو من سيقيم المشروع في النهاية، وشروطه التي ستطبق
للموافقة على الإقراض من عدمها. من جهة أخرى، تحجم البنوك عن دعم المشاريع
الناشئة وحتى تحت نظام كفالة الحكومي الذي يضمن للبنك 80 في المائة من قيمة
القرض، فإن معظم البنوك ما زالت تحجم عن الإقراض تحت أعذار متعددة.
الأمر المهم الذي يجب الالتفات إليه، هو ضرورة مراجعة شروط الإقراض
للمشاريع الصغيرة الجديدة أو القائمة، لتتلاءم مع الأهداف الذي وجدت هذه
البرامج من أجلها من البداية. وهنا لا بد من التأكيد على أن هذه المنشآت هي
الصانع الأكبر للاقتصاد ولسوق العمل، وتعقيد إقراضها بشروط غير متناسبة مع
السوق سيؤثر في النهاية على الاقتصاد بشكل سلبي، وسيفرغ هذه البرامج من
هدف وجودها. الأهم في الموضوع أن يتم التعامل مع هذه المشاريع من جوانبها
الاقتصادية، لا من جوانبها الاجتماعية فقط؛ لأن صاحب المشروع في النهاية
مقترض، ويجب أن يعلم أن لهذا التمويل تكلفة يجب أن يدفعها، ولا يعتمد على
أن هذه منحة حكومية له. وقد تكون تجربة ''أرامكو السعودية'' ببرنامج واعد
لدعم المنشآت الصغيرة جديرة بالاهتمام وتسليط الضوء على نجاحاتها الباهرة.
أما إذا كان هدف البرامج الداعمة للمشاريع الصغيرة منح المال وإضافة
الخبرة التي قد يفتقدها أصحاب هذه المشاريع، فإن برنامج تمكين في البحرين
مثال يحتذى به في هذا المضمار. يعتمد برنامج تمكين على منح كل منشأة صغيرة
15 ألف دينار بحريني في الجانب الذي تحتاج إلى دعم به، فربما تكون المنشأة
في حاجة إلى حملة تسويقية وأدوات ترويجية، فيقوم تمكين بتوفير الخبراء
المناسبين لهذا الغرض لتقديم خدماتهم لهذه المنشأة، وهكذا دواليك في بقية
الجوانب حتى 60 ألف دينار، فتكون بهذا الشكل قد دعمت المنشآت الصغيرة
ماديًا دون مقابل، لكنها أضافت لها معرفة وخبرة نوعيتين.