بحث في القرض الحسن و قرض البنك
هل يمكن الاستغناء عن الفائدة الربوية ؟
المقدمة
أصبح سعر الفائدة المتبع في نظام الإقراض و الإيداع لدى البنك وآأنه من الثوابت التي لا
يمكن الاستغناء عنها في أي نشاط مالي او قيد محاسبي، و في آل تبادل تجاري او ائتماني
يكون زمن التسديد و زمن الاستحقاق عنصرا من عناصره. هذا التصور جاء بسبب الانتشار
الطاغي للبنوك ضمن أنظمة و قوانين مصرفية على المستوى العالمي ، و نتيجة لتشابك
مدخلات حساب القيمة من سعر صرف و سعر فائدة و معدل تضخم . و بالرغم من عدم
الرضا وعدم القناعة لدى آثير من الناس بالتعامل مع البنوك ، سواء آان ذلك بسبب التشريع
الإسلامي او بسبب مشاهدات و نتائج التعامل الفعلي ، فاننا نجد ان عدد المتعاملين مع البنوك
يزداد يوما بعد يوم ، ونجد ان طرق التعامل الأخرى (غير الربوية) أصبحت و آأنها أفكار
خيالية لايمكن تطبيقها على ارض الواقع.
ان البنك مؤسسة اقتصادية متطورة استطاعت ان تصبح شريكا او وسيطا في معظم
التبادلات التجارية و الائتمانية في المجتمع . و البنك التجاري اقيم اساسا على عمليات
الاقتراض من جانب عملاءه، و الاستفادة من سعر الفائدة الذي يقرره على المقترضين ، و
حتى تكتمل دائرة التعامل فان البنك بحاجة الى مودعين لتامين التدفقات النقدية اللازمة
لعمليات الاقراض، و اهم وسيلة لاستقطاب المودعين هي ان البنك يجعلهم شرآاء بجزء من
الفائدة التي يحصلها من المقترضين. و يزداد ربح البنك بزيادة عدد المتعاملين معه من
مودعين و مقترضين. وقد تنافست البنوك في ابتكار وسائل اخرى ليس لها علاقة مباشرة
بسعر الفائدة لاستقطاب المتعاملين معها.و اهم هذه الوسائل هي الخدمات المصرفية المتعددة
التى اصبحت نتيجة انتشارها ضرورة يصعب تجنبها في اي تعامل مالي . فالبنك يقدم خدمة
امر الدفع (الشيك) بحيث انك لا تحتاج لحمل النقود بجيبك، والبنك يقدم خدمة التحويالات
النقدية من مدينة الى مدينة و من بلد الى بلد، و البنك يقدم خدمة الكفالات المالية و
الاعتمادات المستندية والصراف الالي وبطاقة الائتمان و ما الى ذلك من خدمات تداخلت و
تشابكت مع معظم نشاطات المجتمع التى تحتاج حرآة مال و تداول النقود.
هذه الخدمات أدت إلى جذب آثير من العملاء ممن همهم الحصول على هذه الخدمات بحد
ذاتها و التمتع بما يوفره البنك من وسائل امينة و مضمونة للتوثيق المحاسبي. هذه الخدمات
ما آانت لتتوفر لولا ما يملكه البنك من مصداقية عالية في التعامل قائمة على نظم محاسبية و
توثيقية صارمة و شديدة لا يراها المودع ولا ينزعج بها و لكن يراها المقترض بشكل
واضح. الا ان هنالك مشكلة آبيرة بقيت قائمة لدى فئة آبيرة من المجتمع ولدى آثير من
المتعاملين مع البنك. فالبنك ببهائه و فخامة ابنيته واناقة موظفيه و ابتساماتهم لم يستطع ان
يخفي تماما ذلك الوجه البشع للتعامل الربوي الذي يوقع الظلم على الناس ، و لم يستطع ان
يطمس او يتغلب على احكام الشريعة الاسلامية المتعلقة بالربا ، خاصة و ان هذه الاحكام
جائت في معرض مفتوح وواجهة امامية ظاهرة لخاصة المسلمين و عامتهم . فاحكام التعامل
بالربا لم تات في متون آتب الفقهاء و المجتهدين و انما جائت في القران اآريم في ايات
بينات محكمات.
هذه المشكلة و هذا المازق فتح الباب على مصراعيه امام نخبة المجتمع لطرح الافكار و
الاجتهادات ، فمن ناحية هنالك اعتراف بان مؤسسة البنك و ما تقدمه من خدمات قد اصبحت
امرا واقعا و طاغيا في المجتمع ، ومن ناحية اخرى فان تحريم الربا آان وما يزال حكما
واضحا و جليا في الاسلام. فعمل المفكرون وعلماء الدين بمبادرات ذاتية ، و استؤجر
المفكرون و علماء الدين من قبل رجال الاعمال و المستثمرين لوضع اجتهادات و حلول
تجمع مزايا البنك و تحريم الربا. فمنهم من قام بهذا العمل و هذا الجهد بنية صادقة، يبتغي
الاستثمار التجاري الحلال المربح، و منهم من قاموا بهذا العمل و هذا الجهد بنية غير
صادقة يبتغون العمل التجاري الاستغلالي ، مستخدمين في ذلك طرق و اساليب تحايلية
لايهام جمهور المتعاملين بانهم قد فكوا رموز الحلال و الحرام بواسطة علماء دين، بل
علماء آثار اسلامي، بحثو و نقبوا في بطون آتب التاريخ و التراث الاسلامي فاآتشفو الحل و
فكو اللغز .
ان عدم توفر حلول ناجعة و عملية للتوفيق بين الامر الواقع المتمثل بانتشار التعاملات و
الخدمات البنكية و بين ضرورة اجتناب التعامل الربوي قد خلق مازقا حقيقيا لدى جمهور
المتعاملين المسلمين العاديين، و خلق ارتباآا و ترددا لدى معظمهم. فاجتهد المجتهدون
المخلصون للخروج من المازق، ولكن وفي نفس الوقت اجتهد النصابون لاستغلال الارتباك
و التردد في سلوك المتعاملين المسلمين.
ان اي اجتهاد في هذا الموضوع المهم هو خطوة الى الامام . فالاجتهاد الصائب سيعيش
ويطمئن اليه الناس بعد ان يروا تطبيقه على ارض الواقع و يلمسوا تاثيره الايجابي على
اطراف التعامل، و الاجتهاد المخطيء قصدا او بدون قصد سينكشف و يتعرى عند اآتمال
دورة التطبيق العملي له في السوق و عند ظهور نتائجه السلبية الحتمية على احد اطراف
التعامل، و سيزيد من رصيد المجتمع من التجارب التطبيقية العملية. هذا بالاضافة الى ان
الاجتهاد المخطيء سوف يبقى تحت مجهر البحث و التحقيق من قبل الدارسين المخلصين
الذين يستخدمون ادوات قياس بسيطة، تربط النظرية بالتطبيق و تقرن الفعل بالنتيجة .
ادوات القياس البسيطة التي لا يمكن تحريف معاييرها من خلال استخدام الارقام المزورة
والمصطلحات الفنية و الالفاظ المرآبة و غير ذلك من زخرف القول. ادوات القياس البسيطة
مثل ميزان الكفتين الذي تراه قبل الوزن و تراه بعد الوزن ولا تحتاج الى متخصصين لاثبات
ان احدى الكفتين قد رجحت.
من هنا آان لا بد من استمرار الجهد و الاجتهاد في سبيل تفعيل المعاملات الاسلامية المتعلقة
بتداول النقود و تحرك الاموال .
ان المعاملات الاسلامية المتعلقة بتداول النقود و حرآة المال آثيرة و تغطي آافة اشكال
التعامل التبادلي و التضامني في المجتمع. الا ان أحكام هذه المعاملات لها صفة التكامل و
التداخل مع بعضها و مع احكام عبادات الفريضة و عبادات التطوع المقررة في الاسلام. فلا
يمكن فصل فريضة الزآاة وتطوع الصدقة عن معاملات الادخار و تجميد الاموال و
تشغيلها، ولا يمكن فصل تحريم الربا المشدد عن تطوع القرض الحسن المحبذ ، و لا يمكن
فصل تطوع القرض الحسن عن واجب التوثيق، و لا يمكن فصل واجب التوثيق عن فريضة
تسديد الدين المشددة، ولا يمكن فصل فريضة تسديد الدين عن معاملة الرهن و الكفالة .
رغم ان هذه الاحكام و العبادات لها وجه التكامل و الاتزان الشمولي فان لها ايضا وجه
التكامل و الاتزان الثنائي ، اتزان آفتي الميزان . فعمل الخير يتزن ويتكامل مع اجتناب الشر
، و الامر بالمعروف يتزن و يتكامل مع النهي عن المنكر.
أداء الزآاة و الصدقة يتزن و يتكامل مع النهي عن آنز الاموال و مع ضرورة تشغيلها في
اوجه الاستثمار المختلفة ليستفيد اآبر عدد من افراد المجتمع. و قد اصبح معروفا في
الاسواق انه آلما زاد سعر الفائدة السنوية الربوية آلما قل حجم الاستثمار و آلما زادت
البطالة. و الزآاة بهذا المفهوم هي معدل فائدة سنوية سالب و ثابت يتحقق على من يجمد
ماله لاآثر من سنة .فالغني المقتدر يصبح مضطرا لمشارآة مجتمعه اما بدفع القدر العلوم
على المال المجمد و اما باستثمار هذا المال لمصلحته و مصلحة المجتمع.
و فريضة الزآاة القاضية بضرورة تناقص الاموال المجمدة و غير المستثمرة على حساب
الاغنياء لصالح المحتاجين و الضعفاء في المجتمع تتزن و تتكامل مع تحريم الربا الذي يؤدي
الى تزايد و نماء الاموال المجمدة لصالح الاغنياء المرابين و على حساب المحتاجين و
الفقراء.
و تحريم الربا يتزن و يتكامل مع الحض على القرض الحسن و جعله عبادة تطوع ذات ثواب
عظيم.
و الحض على القرض الحسن يتزن و يتكامل مع ضرورة طمأنة المقرض و تشجيعه بجعل
تنظيم عقد الدين و توثيقه واجب اجتماعي و جعل تسديد الدين فريضة مشددة تقبل المسامحة
من طرف المقرض ولكنها لا تقبل المماطلة او المساومة من طرف المقترض او ورثته او
آفلائه ؛ وجاء بالقران الكريم ان الدين قبل الوصية، وجاء بالاحاديث النبوية ان الدين غير
المسدد يحمله صاحبه يوم القيامة و يحاسب عليه حتى لو بذل روحه في سبيل الله شهيدا.
ان الدعوة لاجتناب الربا هي من باب النهى عن المنكر ، ولكنها لا تكون ذات فائدة جليلة الا
اذا اقترنت بما يتصل و يتزن و يتكامل مع تحريم الربا من امر بالمعروف. و الدعوة
لمحاربة التعامل الربوي نكون اآثر بلاغة و اشد تاثيرا حين تقترن بالجهد الايجابي لتفعيل
البدائل و تيسيرها على المستوى العملي
و بناء على ذلك فاني اخصص هذه البحث لدراسة اآثر ما يتصل مع تحريم الربا، و اعني
بذلك القرض الحسن و تنظيمه وتطبيقة .سواءا آان ذلك في المجتمع الاسلامي- في ظل
سلطة الدولة الاسلامية المحترمة – او في مجتمع المسلمين - في ظل سلطة اي دولة بشكل
عام.
و البحث يهدف الى احياء التداول بالدين و القرض الحسن وهو بحد ذاته عبادة ميسرة ولكنها
شبه معطلة بين المسلمين.
إن إحياء التداول بالدين و القرض الحسن لا يتصل فقط بمزاج الناس وحسن نواياهم و حبهم
لعمل الخير وانما يتعلق ايضا بما يتوفر لديهم في المجتمع من ادوات و وسائل ميسرة و
منتظمة للتوثيق والضمان. فالدين أو القرض الحسن ليس عقدا لنيل الثواب بين العبد و ربه
فقط و انما عقدا محددا و مشروطا بين المسلم و المسلم ، و عناصر العقد ليست الدائن و
المدين فقط و انما الدائن و المدين و الشهود و آاتب العدل بما يمثله، ثم الكفالة او الرهن. و
هذا آله لا يتاتى الا بتكاليف و جهد و مشقة، و يتداخل معه ايضا مشاعر الحرج من التوثيق،
خاصة اذا تم هذا التعامل على اساس حوادث متفرقة و تعاملات غير منتظمة .آل ذلك
يستوجب وجود الوسيط الحيادي المختص بهذا العمل و الذي يقوم على بناء مؤسسي و مهني.
و المؤسسات لا تنشأ و لا تقوم لعمل الخير وخدمة المجتمع فقط آما يدعي الكثيرون وانما
تنشأ لتخدم مؤسسيها و تدر عليهم دخلا استثماريا مما يضمن نجاحها و مصداقيتها و
استمرارها .
من هنا آان لا بد لهذا البحث من التطرق الى العناوين و المواضيع المتصلة بالجدوى العملية
و الاقتصادية لقيام مؤسسات توثيق القرض الحسن على اسس تجارية. و لا بد لهذا البحث من
التطرق بدراسة تحليلية مبسطة لكافة المواضيع المتصلة بتداول الديون مثل ممارسات البنوك
و التجارب العملية في المجتمع ثم القاء الضوء على احكام الشريعة الاسلامية الواضحة
المتعلقة بهذا الموضوع، ثم دراسة امزجة الناس و استعدادهم لتعاطي القرض الحسن بناء
على مشاهدات ومقارنات معروفة
من هم زبائن البنك و عموده الفقري
ان البنوك التجارية مؤسسات آبيرة تقوم بنشاطات و خدمات آثيرة تتصل بمعظم الفعاليات و
فئات المجتمع، فهي تستقبل الايداعات النقدية و تعطي القروض وتساهم في الشرآات العامة
وتقدم الخدمات المصرفية و غير ذلك من النشاطات المتعددة. و البنوك آغيرها من
المؤسسات التجارية، تتنافس في تسويق بضاعتها و خدماتها بطرق مختلفة اهمها الدعاية و
الاعلان و فتح الفروع المختلفة و عرض الخدمات المجانية . و الاعلان التجاري علم حديث
متخصص يستند بالدرجة الاولى على معرفة و تحديد الجمهور المستهدف من هذا الاعلان ثم
تصميم و تفصيل عناصر الاعلان بما ينسجم مع رغبات وعقلية الزبائن المرغوبين. و
بادوات قياس بسيطة نستطيع التعرف على زبائن البنك المهمين . فنلاحظ ان اعلانات البنوك
تستهدف عامة الناس ممن لديهم ادخارات بسيطة قد تبدأ بمئة دينار او اقل. و ترآز الدعايات
على جوائز اليانصيب و الحظ الدورية بما يتلائم مع عقلية الناس البسطاء الذين يحلمون
بالتعثر بكنز من ذهب او الحصول على سيارة مجانية او شقة مجانية ، هذا بالنسبة للمودعين؛
اما بالنسبة للمقترضين فنلاحظ ان البنوك تستهدف بسطاء الموظفين ممن يريد ان يشتري
ثلاجة او تلفزيون او سيارة او شقة بضمان راتبه و رهن ما لديه، و ترآز في دعايتها على
برامج التقسيط المريح و القروض الاستهلاآية بضمان الراتب اآثر من ترآيزها على
المستثمرين و مشاريعهم الزعجة و آثيرة المخاطر. ثم نلاحظ ان البنوك تفتح فروعها الجديدة
في المناطق الزدحمة ، و بما يتناسب مع عدد الناس وليس مع ملائتهم و غناهم المادي. فنجد
آل البنوك تتنافس في فتح فروعها في الاحياء الشعبية.
هذه الملاحظات تشير بوضوح الى ان عامة الناس هم القطاع الاهم ، و هم الزبائن المفضلين
لدى البنوك .
لقد نجحت البنوك بالانتشار الكبير بين عامة الناس بحيث اصبحت تشارآهم في دخلهم و
اصبحت وسيطة بين افراد الحي الواحد بل و بين افراد العائلة الواحدة. فتجد ان احد افراد
العائلة قد اودع الف دينار لدى البنك مقابل تحصيل خمسة بالمئة آفائدة سنوية، و تجد اخوه قد
اقترض من نفس البنك مبلغ الف دينار مقابل دفع خمسة عشر بالمئة فائدة سنوية. ولا يخطر
ببالهم ان هذا من هذا و ان البنك وسيط ظالم بينهم.
ان فرق سعر الفائدة المعطى للمودع عن سعر الفائدة الماخوذ من المقترض يشكل العمود
الفقري لدخل البنك ، فهذا الفرق يغطي المصاريف الادارية و المخاطر المحسوبة و يؤمن
ربح صافي آبير للبنك.
البنك حاجز يلغي العلاقة بين المودع و المقترض
ان المودع لدى البنك قد لا يشعر بانه يقوم بممارسة عملية ربوية تتعلق باآل اموال الناس
بالباطل و باستغلال حاجة المقترض للمال. و السبب في ذلك هو انه يتعامل مع البنك ذو
الشخصية المؤسسية الرسمية او شبه الرسمية، الشخصية الجامدة و الخالية من اية مشاعر او
عواطف لها صلة في العلاقات الاجتماعية. و عادة لا يخطر ببال المودع الجانب الآخر و
الاهم و هو عملية الاقراض الربوي التي يقوم بها البنك للمقترضين المحتاجين.
ان عدم وجود اي صلة عملية بين المودع لدى البنك و المقترض من البنك يشعر المودع و
آأنه لا يوجد أي علاقة بين عملية الإيداع بحد ذاتها و التي هو جزء منها و بين عملية
الاقتراض التي تظهر فيها بشاعة العملية الربوية
ولو تخيلنا جدلا ان البنك يعمل آوسيط شفاف ، بمعنى انه يتيح للمودع التعرف على
المقترض، فاننا سنرى تغيرا آبيرا في سلوك المودع، ذلك بانه سيدرك تماما بان ما يقوم به
هو الربا بعينه،
لنفترض ايضا بانه اتيح للمودع بعد ان تعرف على المقترض ان يحدد بنفسه اسس التعامل
مع المقترض، في هذه الحالة هنالك ثلاثة احتمالات لا رابع لهم:
فإذا آان المودع يستمرئ الربا ولا يشعر باي حرج فانه بكل تاآيد سيطلب ان يدخل في
رصيده آامل سعر الفائدة المتحقق على المقترض. اي انه سيطلب 9% و يقول للبنك يكفيك
%1 مقابل اجبار المقترض على الالتزام بالتسديد
و اذا آان المودع سويا من الناحية الاجتماعية و لديه حد أدنى من المشاعر الانسانية النبيلة،
و ههو يرغب ايضا في الاستفادة من مزايا الايداع مقابل سعر فائدة محدد، فانه سيتمنى
وسيطلب ان لا يزيد سعر الفائدة المتحقق على المقترض عن سعر الفائدة الذي ياخذه من
البنك . اي 5%، و سيقر ايضا بان ياخذ البنك من المقترض نسبة 1% اضافية مقابل خدمات
البنك آوسيط و ضامن للتسديد
اما اذا آان المودع سويا من الناحية الاجتماعية و مؤمنا بما انزل الله تعالى في الكتاب من
تشديد على تحريم الربا . فانه في هذه الحالة سيمتنع تماما عن التعامل مع البنك على اساس
سعر الفائدة المحدد سلفا .حيث انه و بسبب معرفته بالمقترض و تفاعله الانساني مع قضيته
سيدرك تماما ان هذا التعامل هو الربا بعينه. وسيزول عنه اي التباس يتعلق بتعريف سعر
الفائدة البنكية و التعامل الربوي. لانه في هذه الحالة يخرج من اطار التطبيق الانضباطي
الضيق للتشريع الى مجال أوسع و أرحب وهو الانضباط القائم على الفهم و التفاعل والقناعة
بجوهر التشريع و أهدافه . و مع ذلك سيتدبر صاحب هذا الاحتمال المزايا الموجودة لدى
مؤسسة البنك و أهمها النظم المحاسبية والسجلات القائمة على اسس علمية بما يضمن توثيق
الحقوق و الاطمئنان الى حرآة الأموال أثناء الإيداع أو الاقتراض أو تحويل المبالغ من جهة
إلى أخرى و غير ذلك من المزايا.
الاطمئنان الى التوثيق البنكي
لنتحدث عن صاحب الاحتمال الثالث. فاذا آانت لديه القدرة و الرغبة في مساعدة محتاجين
معينين و اذا آان لديه الدافع الديني و الانساني لفعل ذلك عن طريق الاقراض الحسن ،خارج
اطار مؤسسة البنك.
فهل سنراه يقدم على ذلك متوآلا على الله من دون ان يكون لديه اي تحسبات او حرج. ان
معظم الناس ضمن هذه الفئة ستحجم عن ذلك لسبب رئيسي مرتبط بتوثيق الدين و بضمان
التسديد. فالرغبة في عمل الخير الاختياري لا تطغى على الغرائز الفطرية لدى الانسان و
التي تتعلق بحب التملك و حسابات الربح و الخسارة. وهذه آلها صفات مشروعة و موجودة
لدى الانسان السوي.
لذلك نرى ان التعامل بالقرض الحسن يكاد ينحصر ضمن حدود عائلية ضيقة جدا،و بشكل لا
يخلو من الحرج في معظم الاحيان
ان عملية التوثيق التي يقوم بها البنك تعتبر من اهم العوامل الجاذبة للتعامل معه. و التوثيق لا
يقتصر على حفظ السجلات و الدفاتر المحاسبية بل يتعدى ذلك الى توفير الضمانات الفعلية و
تسخير سلطة القانون و بالتالي سلطة الدولة. و الضمانات بالنسبة للمودع لدى البنك تعتمد
بالدرجة الأولى على الأمانة بالمعنى المهني وهو توفر المصداقية المستمرة في أداء
الالتزامات المتعاقد عليها، أما الضمانات بالنسبة للبنك على المقترض فهي عادة ما تكون
أدوات ضمان ملموسة و محددة مثل الكفالات المالية و الرهن، و بالضرورة فان أدوات
الضمان على المقترض لا يمكن أن تكون فعالة الا في ظل قانون و سلطة دولة قادرة على
تطبيق القانون.و لا يستطيع البنك الاستفادة من سلطة الفانون الا من خلال توفير و توظيف
جهاز دائم من العاملين المتخصصين بالاضافة الى التعاقد مع مكاتب محاماة لمتابعة القضايا
القانونية. و بشكل عام فان آلفة هذا الجهاز على البنك تقل بالنسبة للمعاملة الواحدة آلما زاد
عدد المعاملات .
و بعيدا عن سيئات التعامل الربوي فان الأسس التي يعتمد عليها البنك في عمليات التوثيق و
الضمان على المقترض هي اسس عادلة و من خلالها فقط يضمن حقه و بالتالي حق المودع
لديه. وبالتاآيد فان تطبيق القانون على المقترض في حال تقصيره في الوفاء يكون خاليا من
اي حرج اجتماعي لانه تنفيذ لعقد تم بالايجاب و القبول.
و نرى ان هذه الاسس –بعيدا عن التعامل الربوي – تنسجم تماما مع احكام الشريعة
الاسلامية فيما يتعلق بالعلاقة بين الدائن والمدين. فهذه العلاقة في الاسلام مبنية على العدل و
الرحمة، اما العدل فهو واجب واما الرحمة فهي تطوع. و الانسجام المقصود هو الانسجام
المتصل بالعدل
اقراض المحتاجين عمل طيب حض عليه الاسلام و هيا له الظروف العملية ، فالمقرض
متطوع له دوافع و امامه موانع . اما الدوافع فهي متصلة في رغبته في عمل الحسنات و
آسب ثوابها عند الله بالاضافة الى الفوائد في العلاقات الاجتماعية التي لا تنفصل عن
الحظوة و المرآز الاجتماعي و السمعة الطيبة في التجارة او السياسة او غيرها من
الممارسات الاجتماعية. اما الموانع فهي متصلة في هواجس عدم التسديد من جهة المقترض
سواء لعجزه عن الوفاء او عدم امانته و بالتالي ضياع المال، و هي متصلة ايضا بالحرج
الاجتماعي عند توثيق الدين .
والمقرض آما قلنا متطوع ، عمله منوط برغبته و ارادته ، و بالتالي فهو بحاجة الى
التشجيع لللاقدام على هذا العمل الطيب. واهم ما يشجع المقرض هو تقليص الموانع المتعلقة
بهواجس عدم التسديد و ازالة الحرج تماما عنه عند توثيق الدين.
و هنا تتجلى دقة الاحكآم القرآنية،
شرح آية الدين في القرآن الكريم
ان اطول اية في القران اآريم على الاطلاق نزلت في في تنظيم العلاقة بين الدائن و المدين.
وهي الاية رقم 282 من سورة البقرة، وان دل ذلك على شيء فانه يدل على عظم هذا
التشريع و على أهمية التعامل بالدين في المجتمع المسلم. و اعجاز هذه الاية له اوجه آثيرة،
فاول ما يخطر بالبال هو الاسهاب الدقيق في ذآر عناصر معاملة الدين من دائن و مدين
وآاتب بالعدل و شهود. ثم آفاءة الشهود و حصانتهم و حصانة آاتب العدل و مبلغ الدين
صغيرا آان او آبيرا. ثم تعريف الدين بتحديد اجلة و تفريقه عن التجارة المتداولة. آل ذلك
في نسيج تعاقدي متماسك وفي اية واحدة، مما يثبت مواصفات عقد الدين و ضرورة ان يكون
متماسكا خاليا من الثغرات سواء من حيث اللغة التعاقدية او من حيث ضرورة وجود واقرار
اطراف العقد من دائن و مدين و شهود وآاتب بالعدل.
و إعجاز هذه الاية يتجلى ايضا في انها تسبر غور النفس البشرية و تبدي ما يخفيه الناس
وما يتحرجوا في اظهاره من هواجس و شكوك و وساوس و ارتياب ، فالاية بذلك تزيل
الحرج عن الدائن حين تجعل رغبته الغريزية و الكامنة في صدره لتوثيق حقه امرا و
فريضة من الله ، فريضة على الدائن و فريضة على المدين. " ان تبدو ما في انفسكم او تخفوه
يعلمه الله ".
ومن المتعارف عليه بين الناس ان طلب التوثيق يتناسب عكسيا مع الثقة. فاذا آان بينك و بين
انسان اخر تعامل تجاري او اجتماعي فكلما زادت الثقة بينكما آلما قلت الحاجة الى الشهود
و التوثيق.
و معاملة الدين في الاسلام قائمة على التطوع و الرغبة، فالدائن يعرف المدين و المدين
يعرف الدائن ولولا ما بينهما من صلة و معرفة لما اجتمعا على هذا التعامل، وهذا بحد ذاته
يشكل عبئا على الدائن حين يطلب التوثيق المتصل عادة بعدم الثقة حسب العرف الاجتماعي،
فجاء القران و جائت اية الدين العظيمة لتزيل الحرج عن الدائن و تسهل المعاملة. آما ان هذه
الاية جاءت لتشجع على توسيع دائرة التعامل بالدين بحيث لا تقتصر على من بينهم ثقة تامة،
آالاخوة الاشقاء او بعضهم و الاصدقاء الحميمين او بعضهم. و انما لتشمل من بينهم معرفة
وصلة اجتماعية ايجابية آالجيران والاقارب وزملاء العمل و ما الى ذلك من صلات
اجتماعية عادية. فطلب التوثيق دونما حرج، وشهادة الشهود، و سلطة آاتب العدل، آل ذلك
يخفف من الموانع امام من يرغب اعطاء القرض الحسن استثمارا لماله عند الله بالاضافة
الى ما في ذلك من فوائد اجتماعية و تكافلية تعود على الدائن و المدين.
و نقطة اخرى على درجة آبيرة من الاهمية في هذه الاية الكريمة الا وهي "آاتب بالعدل".
هل هو احد الشهود. هل هو اي واحد يعرف الكتابة.؟ اذا آان آذلك فهل يستطيع احد الشهود
او الدائن او المدين ممن يعرفون الكتابة ان يقوم مقام آاتب العدل.
ان قرائة الاية الكريمة يظهر ان آاتب العدل هو آيان مستقل عن الدائن والمدين و الشهود
فهو آاتب اولا و بالعدل ثانيا اي بشريعة و قانون . و يجيء تاآيد هذا الفهم و هذا المعنى ليس
بعيدا، و انما ضمن سياق نفس الاية حين ياتي ذآر "وليه بالعدل". " فإن آان الذي عليه
الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل" و الولاية بالعدل
بالنسبة للسفيه او الضعيف هي ولاية الامر، وولاية الامر معرفة بحكم التشريع و القانون،
فلا يستطيع اي واحد ان يكون وليا لامر الاخر دون ان يكون بينهما صلة تتصل بالحكم و
السلطة ثم بالامر و الطاعة . فالاب ولي امر ابنه الصغير، و الزوج ولي امر زوجته،
والوالي ولي امر الرعية ما دامو قد بايعوه. من هنا نجد ان ولاية الامر قائمة على عقد عائلي
او عقد اجتماعي و سياسي. و ولاية الامر في آل الحالات تقوم على اساس من العدل في
الحكم و القدرة على انفاذه.
إذا فان آاتب العدل هو موظف و ممثل للسلطة صاحبة النفوذ . و حين يتم العقد بواسطة
آاتب العدل فانما يتم برعاية السلطة التى لديها الوسائل لتنفيذه.
و آاتب العدل بحكم وظيفته متصل بمكان العقد و بحدود الولاية الجغرافية ، لذلك نقرا في
الاية التالية لاية الدين " وإن آنتم على سفر ولم تجدوا آاتبا فرهان مقبوضة "
وهنا علينا ان نتدبر هذه الاية و نفكر فيها جيدا.
السفر يخرجنا من من حدود سلطة الولاية الاسلامية التي يمثلها آاتب العدل، فلا نجد في هذه
الحالة آاتبا نطمئن الى سلطته و نفوذه و عدله و آفائته و قدرته على انفاذ عقد الدين المبني
على التوثيق الكتابي و الشهود. فنلجا في هذه الحالة الى ضمان أقوى الا وهو الرهن .
و بالقياس فان عدم الاطمئنان الى عدل الولاية او آفائتها هو اشبه ما يكون بالسفر و
الاغتراب. ونكمل قراءة الاية الكريمة: " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته
وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه ءاثم قلبه والله بما تعملون عليم "،
فالسفر مرتيط بعدم الشعور بالامن و الاطمئنان. و صيغة الجمع في " امن بعضكم بعض "
تشير بوضوح الى ان الامن والاطمئنان ليس فقط بين الدائن و المدين وانما بين الدائن و
المدين و الشهود و آاتب العدل و بالتالي الى سوية النظام والمجتمع آكل
ان المعنى المقصود في " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته" هو اقرب ما
يكون الى فك "الرهان المقبوضة" الواردة في اول الآية. فاذا توافرت عناصر الاطمئنان و
الثقة في اطراف العقد بما في ذالك الكاتب بالعدل و ما يمثله، فانه في هذه الحالة؛ يفك الدائن
الرهن و يكتفي بالتوثيق القائم عدل الكاتب و شهادة الشهود.و في هذه الحالة و في هذا الموقع
بالذات تؤآد الاية الكريمة على واجب عدم آتمان الشهادة " ولا تكتموا الشهادة ومن
يكتمها فإنه ءاثم قلبه والله بما تعملون عليم"
ان المجتمع و النظام في وقتنا الحاضر هو ابعد ما يكون عن السوية الاسلامية، و الحالة التي
نعيش بها هي اقرب الى السفر و الاغتراب في غياب الامن و الاطمئنان بين الناس بعضهم
ببعض و بين الناس و سلطة الحكم. و عليه فان وجود الكفالة الفعلية و الرهن في معاملة الدين
اصبح امرا مقبول بل مرغوب فيه من الناحية الشرعية و في ايامنا بالذات آي يتشجع الناس
دائنا و مدينا لانجاز معاملة الدين بالرهن ، و بالدرجة الاولى آي يقل تردد الدائن في الاقدام
على هذا العمل المهم و الضروري في المجتمع
والآية الكريمة تبين ايضا أن هنالك آلفة لعملية التوثيق سواء لكاتب العدل او للشهيد ولا
يجوز ان نعتقد ان قيام آاتب العدل بواجباته هو عمل خيري ليس له مقابل في معاملة الدين.
فهذا العمل يستلزم مؤهلات وتفرغ ، لذلك يقول الله تعالى في نفس الآية
"
وانا أدعو آل إنسان مسلم بل آل إنسان أن يقرأ آية الدين ويتأمل ما بها من إعجاز ، وسيتم
الاضاءه على ذلك فيما يلي من فقرات
آية الدين من سورة البقرة
281 )ياأيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاآتبوه وليكتب بينكم آاتب ) "
بالعدل ولا يأب آاتب أن يكتب آما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه
ولا يبخس منه شيئا فإن آان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو
فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان
ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذآر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما
دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو آبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة
وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها
وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار آاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله
ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم( 282 )وإن آنتم على سفر ولم تجدوا آاتبا فرهان مقبوضة
فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن
يكتمها فإنه ءاثم قلبه والله بما تعملون عليم( 283 )لله ما في السموات وما في الأرض وإن
تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله."
اهمية الدين (الاقراض) في المجتمع
حين نتحدث عن الدين فهل نتحدث عن ممارسة آمالية في المجتمع بمعنى هل يوجد مجتمع
قادر على الاستغناء عن التعامل بالدين
الاستدانة بحد ذاتها امر مقيت و غير مرغوب فيه ووجوده في المجتمعات يعني انه وجد
لضرورة عملية لا لنزوة و لا لرغبة
و ضرورات الاستدانة لها اشكال متعددة :فمنها ما هو استثماري و منها ما هو استهلاآي و
منها ما هو مرتبط في حوادث معينة و الدين ياتي عادة بناء على طلب طالب الدين
(المدين) اذا آان الدين استثماريا او دين حوادث. وقد ياتي بناء على دعوة و تحفيز الدائن
خاصة اذا آان الدين استهلاآيا ، و هذا معروف في معاملات البيع و التسديد المؤجل و
على اقساط ....الخ
و لتجنب الخوض في اثبات ما هو مثبت نقول ان معاملات الدين ضرورة في اي مجتمع
مدني ، ضرورة لانتظام تبادل السلع و الخدمات و ضرورة لتوفير ادوات الضمان والتكافل
التجاري و الاجتماعي.
و لمعرفة حجم القطاع الذي يتعاطى بالدين، ما علينا الا ان ندرك ان آل مودع او مقترض
من بنك ما هو الا دائن او مدين. وآل مشترك او مستفيد من شرآة تامين او ضمان
اجتماعي او صندوق تقاعد ، ما هو الا دائن او مدين.
و من هنا نرى الاهمية البالغة في دراسة اسس و نظم و تشريعات الدين في مجتمع
المسلمين بمعزل عن تشريعات المعاملات الاخرى مثل المرابحة و المشارآة وغيرها من
المعاملات التي قد تكون اخذت جزءا من حقها في الدراسة و التجربة،
و مجتمع المسلمين يختلف عن المجتمع الاسلامي. فالمجتمع الاسلامي هو المجتمع الذي
يعيش في ظل دولة اسلامية تفرض الواجبات و تمنح الضمانات حسب الشريعة الاسلامية ،
في حين ان مجتمع المسلمين هم الراغبون بالالتزام باوامر و نواهي الشريعة الاسلامية في
غياب الدولة الاسلامية ، و في ظل اي سلطة حكم و بمبادرة و تحفيز ذاتي.
جاهزية مجتمع المسلمين للتعامل بالدين بدون فائدة
حتى يكون لهذه الدراسة وهذا الخوض معنى متصل بارض الواقع لا بد لنا ان نسال سؤالا
غاية بالاهمية
آم من الاغنياء و القادرين في مجتمع المسلمين جاهزون للتعامل بالدين بدون فوائد . هل
عددهم يكفي لتشغيل مؤسسات دين اسلامي قائمة على اسس تجاريه.
بالاضافة الى المقصد الديني اذي يراد به الاجتهاد و ثوابه، فان الاجابة على هذا السؤال قد
تحسم سلبا او ايجابا جدوى هذه الدراسة
و للاجابة على هذا السؤال ما علينا الا ان نلجا الى ادوات قياس بسيطة و مشاهدات و و
مقارنات من واقع المجتمع الذي نعيش فيه:
هنالك فئة من المسلمين ممن لا يتعاملون على الاطلاق مع البنوك و ذلك تجنبا للربا و
لشبهة الربا، و هذه الفئة لا تفرق بين حسبات البنك المختلفة سواء آان ذلك حسابات جارية
او حسابات ادخار او وديعة او اقتراض او اي نوع اخر من التعامل مع البنك. و راي هذه
الفئة ان البنك قائم على اساس ربوي و ان اي تعامل معة هو اشتراك في نشاطاته الربوية.
و لا شك ان هذه الفئة تستند الى الحكم القراني الواضح و الشديد في تحريم الربا، بالاضافة
الى قاعدة التعامل العامة في الاسلام القائمة على اتقاء الشبهات.
و من الواضح ان الأغنياء من هذه الفئة يضحون بمزايا التعامل مع البنك مقابل الالتزام
الصارم بالشريعة الاسلامية. و معظم المنتسبين الى هذه الفئة لديهم من التقوى و الوازع
الديني ما يجعلهم يتجشمون عناء الامتناع عن التعامل مع البنوك . و لا شك ايضا ان التقوى
و الوازع الديني لديهم يدفعهم بنفس القوة الى ممارسة العبادات الصعبة و المكلفة ماليا مثل
الزآاة و الصدقة و القرض الحسن . اما الزآاة فهي فريضة بقدر معلوم على مبلغ مدخر قد
حال عليه الحول. و اما الصدقة فهي عبادة تطوع لمن لا يملك نصاب الزآاة او لمن اداها
آاملة، و مقدار الصدقة في الاسلام لمن هو قادر عليها يزيد و ينقص بمقدار زيادة و نقص
الايمان و رغبته بالتقرب الى الله تعالى. و لكنها عادة ما تكون مرتبطة بالمبالغ المدخرة
الفائضة التي يمكن الاستغناء عنها فعلا في ظل حسابات التوآل على الله او حسابات الامان
العائلي او حسابات الامان الاجتماعي. وفي مجتمعنا المدني المعاصر فان الامان العائلي و
الاجتماعي يكاد يكون مفقودا مما ينعكس بشكل سلبي وواضح على حجم المبالغ المتداولة
بين الناس تحت باب صدقة التطوع. اما القرض الحسن فهو عبادة تطوع ايضا ولكنها
تختلف تماما عن الصدقة و في اآثر من وجه. فالقرض يمكن ان يكون من المبالغ المدخرة
المحسوبة لحوادث و مشاريع المستقبل اي انه من المبالغ الضرورية التي يحتاجها صاحبها
و التي يمكن الاستغناء عنها لفترة محددة فقط . فالقرض الحسن يعطى لاجل مسمى، و
القرض هو استثمار ديني و اجتماعي و يبقى في خانة الادخار بالنسبة للمقرض. هذا
الاختلاف بين صدقات التطوع و القروض يؤدي منطقيا الى ان يكون حجم التداول
بالقروض بين المسلمين اآبر بكثير من حجم التداول بالصدقات، خاصة و ان ثواب القرض
عند الله مثل ثواب الصدقة ان لم يكن اآثر، ففي الاية اآريمة:
" وأقيموا الصلاة وءاتوا الزآاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير
تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم "(مرجع)
وفي حديث نبوي شريف قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم "رأيت ليلة أسري بي على
باب الجنة مكتوبا: الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر. فقلت يا جبريل ما بال
القرض أفضل من الصدقة قال لأن السائل يسأل وعنده والمستقرض لا يستقرض إلا من
حاجة" (مرجع)
و بالرغم من ذلك فاننا نرى ان حجم التداول بالقرض الحسن قليل ويكاد لا يتعدى حدود
العائلة الضيقة او العلاقات الخاصة الحميمة. و السبب في هذا له علاقة في وجه الاختلاف
الثاني ما بين صدقة التطوع و القرض الحسن. ففي حين ان الصدقة عمل ينتهي اجرائيا عند
الاداء فان القرض يبدا اجرائيا قبل الاداء و لا ينتهي الا عند الوفاء، و الصدقة مبادرة و
عقد من طرف واحد و لا تحتاج الى توثيق في حين ان القرض مبادرة و عقد بين طرفين
بتدخل و رعاية من اطراف اخرى مما يزيد من تكاليف و مشقة التعامل به . ولو هيء
للمسلم المقتدر جهة او مؤسسة صاحبة اختصاص تتكفل بمشقة التوثيق التعاقدي مقابل ثمن
على حساب المقترض، فانه لن يتردد في ممارسة هذه العبادة و الاستفادة من ثوابها عند الله
بالاضافة الى ما فيها من فوائدها الاجتماعية جمة لا بد لها ان تنعكس ايجابيا على المقرض
و مرآزه في المجتمع و تجارته و اعماله.
و الفئة الثانية في مجتمع المسلمين هم من لم يستطيعوا تجنب التعامل مع البنوك وغيرها من
المؤسسات المصرفية. ولكن ما زال عندهم قدر من الوازع الديني يمنعهم من اخد الفوائد
على مبالغهم .فيضعون ادخاراتهم في البنوك آامانات غير مربوطة او آحسابات جارية ،
فيستفيدوا من مزايا التعامل مع البنك ويعتقدون انهم يبرؤون ذمتهم من اآل الربا. هذه الفئة
في مازق حقيقي و خطير . فهم يدرآون ان البنك يتصرف في مبالغهم الموجودة بحوزته
آما يشاء ولا سلطة لهم عليه . البنك يوظف هذه المبالغ في الاقراض الربوي بحكم طبيعة
عمله .و لسان حالهم يقول انهم إذا لم يقبضوا الفائدة فهم غير مشترآين في هذا العمل
الربوي و أن الخطيئة خطيئة البنك وليست خطيئتهم. هذه الفئة مظلومة و ظالمة. فهم من
ناحية قد ضحوا بفوائد مبالغهم المودعة لدى البنك اتقاء لغضب الله ، وهم من ناحية اخرى
تناسوا انهم بفعلهم هذا قد منحوا هذه الفوائد للبنك بدون مقابل. ومثلهم مثل الصائم الذي لم
يناله من صيامه سوى الجوع و العطش ، و مثلهم " آمثل الذي استوقد نارا فلما اضائت
حوله ذهب الله بنورهم فهم لا يبصرون". وهذا ابلغ ما يقال فيهم، لديهم العلم بطبيعة عمل
البنك ولديهم العلم بالتشريع الاسلامي ولديهم الوازع الديني الكفيل باضائة هذه العلوم
ولكنهم رغم ذلك عموا ولم يبصروا هذا آله . فظلموا انفسهم بتضحيتهم التي لا يقابلها ثواب
(والله اعلم) و اوقعوا الظلم على الاخرين حين دعموا البنك وزادوا سلطته على
المقترضين. و هنالك شواهد آثيرة تشير ان هذه الفئة آانت وراء النجاح السريع و الارباح
الهائلة التي حققتها آثير من البنوك في البلاد الاسلامية.
هذه الفئة وقعت في مازق و خطأ ولكن لديها و فيها ناحية مضيئة وهي استعدادها للتضحية
بمبلغ الفوائد البنكية. هذه الفئة بالذات آسولة وغير قادرة على المبادرة و لكن لديها الوازع
الديني الذي يمكن ان يقودها الى طريق الصواب و خاصة اذا آانت هذه الطريق ممهدة.
منتسبوا هذه الفئة جاهزون لعمل الخير و التعامل بالقرض الحسن بما لديهم من وازع ديني
و صفة الايثار ولكنهم _و ربما اآثر من غيرهم_ بحاجة الى من يقودهم الى ذلك . فاذا
وجدت جهة صاحبة اختصاص لتداول القرض الحسن بحيث تقوم بكافة الاجراءات و تتكفل
بمشقة التوثيق و الرهن و المتابعة الى حين الوفاء مقابل ثمن على حساب المقترض ؛ فلا
شك ان آثير من منتسبي هذه الفئة سيجدون ضالتهم في هذه المؤسسة و سيكونون اقل ترددا
في اعطاء القروض لمعارفهم ممن يحتاجوا هذه القروض وقادرين على التسديد. وهم بذلك
يقومون بعمل طيب وعبادة تطوع و صلة اجتماعية بما ينسجم مع ما لديهم من وازع ديني
و تقوى . وهم بذلك ايضا يفقدون البنك جزءا مهما من زبائنه بعكس ما آانوا يفعلون حين
آانو يدعمون البنك بوضع اموالهم بتصرفه بدون فوائد.
و فئة أخرى في مجتمع المسلمين وهم الذين يتعاملون مع المؤسسات المصرفية الإسلامية
و البنوك الاسلامية. و هؤلاء المسلمون انجذبوا للتعامل مع البنك الاسلامي رغبة منهم
للاستفادة من المزايا المعروفة للبنك التجاري و في نفس الوقت بحثا عن تبرئة انفسهم من
خطيئة التعامل بالربا، و ذلك عن طريق فتاوي نظامية لشيوخ مسلمين. ان التعامل بين
البنك الإسلامي و عملائه يقوم من الناحية النظرية على اساس المشارآة و المرابحة ،
فبالنسبة الى المودع لاجل فانه يضع ماله في تصرف البنك لاستثمارها في نشاطاته المتعددة
و يستحق له او عليه عند انتهاء مدة الاجل ماترتب له من ربح او عليه من خسارة .و
المودع لا يشترك فعليا باي من نشاطات البنك و انما اوآل اليه التصرف بماله المودع. أما
المقترض فهو يشكل محور نشاط البنك الاستثماري. و التعاقد بين البنك و المقترض هو
الذي يؤآد شرعية التعامل او يفضح عدم شرعية التعامل.
بشكل عام فان المقترض يلجا الى البنك الإسلامي إما لانه يحتاج لشراء سلعة من السوق و
لا يتوفر لديه ثمنها او انه يحتاج الى تمويل مشروع استثماري يدر عليه دخلا.
في الحالة الاولى و بالنتيجة فان البنك الإسلامي يوفر مبلغ القرض ولكنه لا يستطيع ان ان
يحدد ربحا معينا على القرض لان في ذلك تعاملا ربويا مكشوفا، ولا يستطيع البنك ان ان
يوفر قرضا حسنا للمقترض ولا يستطيع ان لا يستفيد من فرصة توفير مبلغ القرض لان
في ذلك تناقض مع الهدف المشروع لوجود البنك وهو تحقيق الربح لمؤسسيه و مساهميه
ومودعيه. إذا ماذا عليه ان يفعل ؟. ان على البنك ان يحقق هدفين : الاول تعامل حسب
الشريعة الإسلامية و الثاني ضمان الربح. ولتحقيق الهدف الاول تلغى العبارات المتعلقة
بالقرض و المقرض و المقترض و يستعاض عنها بعبارات الثمن و البائع و المشتري. و
لتحقيق الهدف الثاني تتم معاملة البيع و الشراء باتباع خطوات معينة: الخطوة الاولى يطلب
العميل من البنك شراء السلعة من السوق ويلتزم لاحقا بشرائها من البنك. و الخطوة الثانية
يشتري البنك السلعة المعينة من بائعها بثمنها الآني. أما الخطوة الثالثة فان البنك يبيع السلعة
للعميل بثمن يساوي ثمنها من بائعها الاصلى زائدا عليه مقدار ربح البنك . و الخطوة
الرابعة يدفع العميل ثمن السلعة الجديد للبنك على اقساط مؤجلة . و بالطبع فان البنك يبقى
ضامنا لحقه عن طريق ملكية السلعة او رهنها لحين التسديد الكامل من قبل المقترض.
وفي الحالة الثانية حين يحتاج العميل الى تمويل آلي او جزئي لمشروعه الاستثماري فان
البنك الإسلامي يدخل مع هذا العميل بصفة شريك ممول و يضمن البنك المبلغ الذي شارك
به من خلال الاحتفاظ بملكية المشروع آاملا الى حين التسديد الكامل لاصل مبلغ البنك على
حساب مستحقات العميل . وهي شراآة متناقصة بالنسبة الى نصيب البنك و تؤول في
النهاية للعميل. و مع ذلك تبقى ملكية المشروع و يبقى نصيب البنك من الايراد النسوب الى
اصل مشارآة البنك الابتدائية قائما بنفس النسبة و القدر و بغض النظر عن التناقص الفعلي
لنصيب البنك. . ان البنك الإسلامي قد وضع نفسه في منافسة البنوك التجارية القائمة على
اساس سعر الفائدة الثابت و الربح الربوي و في سبيل هذا التنافس فعليه ان يحقق نتائج
ربح ايجابية مضمونة ، و لهذا السبب اجتهد في نظامه و تعاملاته لجمع ثلاث ميزات:
القرض المضمون لضمان راس المال ، و الربح المضمون للاستمرار آبنك تجاري ثم
المشارآة و المرابحة لتحليل التعامل شرعيا . و جمع هذه الميزات في آن واحد لا ينسجم
تماما و تسبب في الاثقال على المقترض من جهة و في الوقوع في بعض شبهات التلفيق و
التحايل على احكام الشريعة آما يدعي بعض الدارسين من جهة أخرى.
و من طرفنا نقول ان فصل التدفقات النقدية لدى البنوك او المؤسسات المصرفية في سوق
المال اصبح صعبا ان لم يكن مستحيلا، و ههي بعض البنوك التجارية القائمة اصلا على
الفائدة الربوية تنشيء بنوآا اسلامية او بالاحرى تفتح لها فروعا اسلامية. فهل يعقل ان هذه
البنوك قادرة على فصل التعامل بما لديها من تدفقات نقدية.
ما يهمنا هنا في موضوع التعامل مع البنوك الإسلامية هو سلوك المتعاملين و خاصة
المودعين. المودع لاجل لدى البنك الإسلامي يحصل على مردود اقل من المودع لاجل لدى
البوك الاخرى القائمة على سعر الفائدة الثابت و بشكل شبه منتظم.و مع ذلك فهو مستمر
بالتعامل مع البنك الإسلامي. هذا ان دل على شيء فهو يدل على ان هذا المودع لديه من
الوازع الديني ما يجعله مستعدا للتضحية في سبيل ان يكون تعامله اقرب الى احكام الشريعة
الإسلامية. و قياسا فان هذه الفئه من جمهور المتعاملين لديها ايضا الاستعداد للتعامل
بالقرض الحسن على نطاق اوسع، ولكن فقط اذا هيء لها مؤسسة متخصصة تقوم على
تنظيم و توثيق عقد الدين بالرهن او الكفالة، و بما يوازي طرق التوثيق المتبعة و المجربة
بنجاح من قبل البنوك .
خلاصة القول في هذا الباب هو ان نسبة آبيرة وآبيرة جدا من جمهور المتعاملين بالمال
يرغبون بالانضباط مع التشريع الإسلامي ، ولديهم الوازع الديني ، ويدفعهم الامر
بالمعروف ويمنعهم النهي عن المنكر . ولكنهم او معظمهم يحتاجون الى من يمهد لهم
الطريق . والقرض الحسن عمل طيب يحقق لفاعله انسجاما مع ما لديه من وازع ديني و
يحقق له ايضا فوائد اجتماعية جمة. و مؤسسة توثيق الدين النظامية ذات المصداقية العالية
تمهد الطريق و تيسرها لمن يريد ان يتعاطى بالقرض الحسن.
توثيق الدين بالرهن و الكفالة
توثيق الدين بالرهن او الكفالة المالية؛ هل هو امر صعب و مستهجن؟ . ام هو امر عادي
يتقبله الناس بل و يمارسوه بشكل يومي ؟.
إذا آان لديك بيت واردت ان تبني طابقا اضافيا علية لتستثمره بالايجار و نقص عليك مبلغ
عشرة آلاف دينار. فاعلنت انك بحاجة الى قرض. فتطوع اخوك او صاحبك المقتدر
لاقراضك هذا المبلغ قرضا حسنا بدون فوائد، ولكنه طلب منك رهن بيتك لصالحه ضمانا
للتسديد . لا شك انك ستغضب و تتهمه بانه لا يأتمنك رغم ما بينكما من صلة، ثم تقيم
الدنيا و تقعدها عليه، و قد تفضحه على طلبه هذا في أوساط العائلة او الاصحاب.
ثم تتجه الى البنك فيوافق البنك على اعطائك القرض بمبلغ عشرة الاف دينار. ويحسب
عليك سعر الفائدة فيطلب منك تسديده خمسة عشر الف دينار على اقساط ؛ فلا تجد في ذلك
باسا ، ثم يطلب منك البنك ضمانا للتسديد فتعرض عليه رهن البيت وهو آل ما تملك،
فيتمنع عليك البنك بحجة ان بيتك قديم، فتسعى بكل الوسائل لاقناع موظف البنك بان بيتك
يصلح رهنا و يساوي اآثر من عشرين الف دينار ، وعند موافقة موظف البنك على قبول
الرهن و السير بالاجراءات ستشعر بانك حققت انجازا. لن تغضب من موظف البنك ولن
تتهمه بانه لا ياتمنك، ولن تفضحه بين الناس وقد تشكره على تسهيل المعاملة.
هذه الازدواجية بالتعامل و هذا التناقض في مشاعر الناس و ردة فعلهم غير منطقي و لكنه
امر واقع. ولا شك ان له اسبابه ايضا.
ان المقترض في المثال المضروب غالبا ما يكون سويا من الناحية الاجتماعية ، وليس شاذا
في ردة فعله و تناقض مشاعره تجاه صاحبه من جهه و تجاه البنك من جهة اخرى. ان ردة
فعله و مشاعره لا تتصل بسلوك فردي منعزل، وانما تتواصل مع سلوك اجتماعي اجمالي،
له علاقة بالعادات و التقاليد و المتعارف عليه في المجتمع. فالأفراد لا يتنازلون لبعضهم ولا
يحتملون بعضهم بعضا . وتأخذهم العزة بالإثم و يرون آرامتهم فقط بصفتهم الشخصية أمام
بعضهم و أمام نظرائهم في نفس العائلة او الحي او المجتمع. في حين ان لهم قدرة عجيبة
على التحمل و التسامح بل و الانصياع و نسيان آرامتهم اذا تعلق ذلك بظلم حقيقي يقع
عليهم من قبل سلطة او جهة اجنبية. هذه صفة موجودة في مجتمعنا و هي على الاغلب
موجودة في آل المجتمعات المفككة و المهزومة وطنيا.
ان سلوك الناس لا يرتبط بالعقل و المنطق بقدر ارتباطه بالبنية العصبية. ذلك ان العقل
يوزن الامور بمقياس المنطق، يقبل اذا اقتنع و يرفض اذا لم يقتنع. و لا يوجد امامه
محددات او محظورات في ممارسة الفكر. و ردة الفعل الفكرية ترتبط بالثقافة و القدرات
العقلية الفردية. ولكن الجهاز العصبي هو الذي يتحكم بالعواطف و المشاعر و ردود الفعل
الآنية على مستوى السلوك و الممارسة . و الجهاز العص