عدد المساهمات : 356 نقاط نشاط : 1048 السٌّمعَة : 0 العمر : 29
موضوع: ܓܨ√₪ دوافع الحروب الصليبية وعوامل نجاحها ₪ √ܓܨ الخميس يناير 31, 2013 8:16 pm
كان العالم الإسلامي قبيل فترة الحروب الصليبية يعاني من الفرقة والانقسام، ويعيش وضعاً سياسياً واقتصادياً وأمنياً صعباً، تتوزع مناطقه الولاءات ما بين الخلافة العباسية في بغداد، والخلافة الفاطمية في القاهرة، والخلافة الأموية في الأندلس، فيما عاشت عدة مدن ومناطق في بلاد الشام تحت حكم عدد من الأمراء الضعفاء، أو الأمراء شديدي الدهاء، ممن لا يعرفون إلا مصالحهم الخاصة، بل لعله من أسوأ ما حدث في هذا الشأن، هو تحالف بعض أمراء الأقطار الإسلامية مع الغزاة الفرنجة وهم في طريقهم نحو احتلال أراضي العرب والمسلمين، فضلاً عن العوامل المذهبية التي كان لها دور بارز في زيادة حدة التوتر والانقسامات والمساهمة في تمزيق أوصال الدولة العربية الإسلامية.
هذا ماكان عليه باختصار الواقع في عالمنا الإسلامي الذي شجع على استهدافه من قبل القوى الطامعة، ولكن يبقى السؤال: لماذا قام الغرب بغزو الشرق العربي والإسلامي؟ وما هي الدوافع والأسباب التي دفعته إلى القيام بهذه الخطوة؟ لا شك أن هذه العوامل لا يمكن حصرها بالعامل الديني، كما حاول البعض، إلا أن واقع الأمر يشير إلى أن هذه الحروب ـ كما سيتبين ـ كانت نتيجةً لتفاعل عوامل متعددة دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية.
العامل الديني
لقد كانت التحوّلات الدينية في أوروبا من الأسباب الرئيسية لقيام الحروب الصليبية، ذلك أن كنيسة روما بعد اعتناق الفرنجة للنصرانية، غدت نداً للكرسي البطريركي في القسطنطينية، واختصت كنيسة روما دون غيرها بلقب البابا، ولعبت البابوية دوراً مهما في إقامة دولة الفرنجة الكارولنجية كمنافسة لإمبراطورية بيزنطة، ومن ثم أخذت البابوية تطمح إلى توحيد كنيستي الشرق والغرب تحت نفوذها، ولاحت الفرصة حين استنجد ميخائيل السابع بارابنيسز Michael vll parapinacesملك بيزنطة1071- 1078م، بالبابا جريجوري السابع Gregory vll 1058ـ 1073م، يدعوه لإرسال حملة لإنقاذ آسيا الصغرى من الترك، فأسرع جريجوري السابع لتأليب ملوك الكاثوليك وأمرائهم، غير أن عجلة الصراع بين المسلمين والفرنجة قد توقفت بسبب النزاع بين الكنيسة وملوك أوروبا، حتى إذا ما عادت للبابوية قوتها بعد موت هنري الرابع Henri 1v""، تطلعت البابوية إلى تأسيس حكومة في الشرق تجمع بين السلطتين الزمنية والدينية، ولذلك حرضت البابوية على الحروب الصليبية، حيث اتخذ البابا أربانوس الثاني urbanus ll"1088م ـ 1099م ، المعروف بتعصبه ضد المسلمين عندما كان راهباً لدير كلوني، والذي غذّى حرب المسلمين في الأندلس، وادعى أن الحجاج المسيحيين يلاقون الاضطهاد والأذى أثناء زيارتهم إلى بيت المقدس، فاتخذ من ذلك ذريعة لحرب المسلمين، وكان هذا البابا يرى بأن وظيفة البابوية الأساسية هي القيادة العليا للحرب المقدسة، ثم إن الحروب الصليبية هي بمثابة سياسة البابوية الخارجية، فهي التي تديرها وتتحرك وفقها، والبابوات هم الذين نظموا الحرب ووجّهوها.
موقعة منازكرد:
كشفت موقعة منازكرد 1071م، التي انتصر فيها السلطان السلجوقي، ألّب أرسلان على الإمبراطور البيزنطي رومانوس ديوجينس، ضعف الممانعة البيزنطية في وجه السلاجقة، وأشعرت الغرب أن أبوابه أصبحت مفتوحة أمام المسلمين.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن سلطان السلاجقة عامل الأسرى، ومن بينهم الإمبراطور وقادته معاملة مرضية، فبعد مفاوضات طويلة دارت بينه وبين رومانوس، تم الصلح بينهما على أن يزوج الإمبراطور بناته الثلاث من أولاد السلطان، ويفتدي نفسه وجميع الأسرى بمليون دينار، ويدفع جزية سنوية قدرها 360ألف قطعة ذهبية، ومهادنته لمدة خمسين عاماً. ساهمت هذه الهزيمة في إشعار الفرنجة بالمخاطر التي تحيق بهم، ما جعلهم يتهيأون الفرصة للأخذ بالثأر.
عوامل سياسية واجتماعية
كان الإقطاع يشكل الدعامة الأساسية للنظام السياسي والاجتماعي في أوروبا، حيث كان لكل إقطاعية محاربوها، وكانت هذه الإقطاعيات تخوض حروباً مدمرة فيما بينها، ما استنزف طاقاتها، وخلف وراءه مشاكل اجتماعية وسياسية قاسية، لذلك عمل الباباوات على توجيه الفرسان لقتال المسلمين بدلاً من الانصراف إلى الحروب الداخلية والمنازعات فيما بينهم ، أي تحويل تفاقم الخطر الداخلي وتنامي الأطماع والمكاسب إلى اتجاه خارجي.
وقد التقت هذه السياسة بمطامع بعض الأمراء والنبلاء الذين لم تسمح لهم الظروف بتأسيس إمارات لهم في أوروبا، حيث كان النظام الإقطاعي الأوروبي يسمح للولد الأكبر بأن يرث كل أملاك أبيه دون أخوته الباقين، فرغب هؤلاء بإنشاء إمارات لهم في المشرق العربي الاسلامي، وما عزز هذا الاتجاه الانتصارات التي حققها الفرنجة على العرب والمسلمين في الأندلس آنذاك، حيث احتلوا كثيراً من أراضيهم، وسيطروا على بعض المواقع العربية في جزر البحر الأبيض المتوسط. كما يشير بعض المؤرخين إلى أن بعض هؤلاء الأمراء والفرسان وجد في الحروب الصليبية إشباعاً لنزعة وروح المغامرة التي سيطرت على الحياة الخاصة والعامة ، لاسيما وأن حركة الترجمة بدأت تنشط في العالم، واطلع الغربيون على ما يسود الشرق الإسلامي من رخاء وثروات وكنوز شكلت مطمعاً لهم للحصول عليها ، في الوقت الذي كانت فيه أعداد كبيرة من فقراء أوروبا، وبعض الرهبان، أو المجرمين أو الملاحقين قضائياً، تجد في زيارة الأماكن المقدسة في فلسطين تكفيراً عن ذنوبها وخطاياها، أو مأوى لها هرباً من الكنيسة، أو الأسياد الإقطاعيين .
العامل الاقتصادي
رغبة التجار الأوربيين، ولاسيما تجار المدن الإيطالية (البندقية ، جنوه ، بيزا)، في السيطرة على منتجات المنطقة العربية، وتأسيس متاجر ومستودعات تجارية فيها. وفي الوقت الذي كانت التجارة مزدهرة، كان عدد قليل من التجار الأثرياء يتقاسمون النفوذ والسلطة مع عدد من الأمراء والنبلاء والإقطاعيين، في حين كان سواد المجتمع الأوروبي في العصور الوسطى يعيش حياة ملؤها البؤس والشقاء في ظل نظام إقطاعي مستبدّ.
يضاف إلى هذه العوامل، حدوث حالات القحط والجفاف التي ضربت بعض المواقع في أوروبا، ما أدى إلى انتشار الأوبئة والأمراض والمجاعات، ودفع بالبسطاء والفقراء للاشتراك في تلك الحروب لقاء مأكلهم ومشربهم وملبسهم.
العامل اليهودي
ومن جانبه، يربط د. محمود عطا الله بين يهود أوروبا وتجهيز الحملات الصليبية بقوله: "كانت مصالح أصحاب رؤوس الأموال من يهود أوروبا تتوافق مع مصالح الأمراء الإقطاعيين الأوروبيين الذين كانوا يطمعون في السيطرة على العالم عنوة، لذا دعم هؤلاء اليهود فكرة توجيه حملة صليبية إلى الشرق بكل قواهم وإمكاناتهم المتاحة، فقاموا بالدعاية لها عن طريق إقناع المترددين بالاشتراك فيها، وفتحوا خزائنهم على مصاريعها لتجنيد المحاربين، ورشوة المتخاذلين، وذلك لأنهم رأوا فيها الفرصة الذهبية المواتية التي تتيح لهم تقديم القروض الربوية إلى زعماء الحملات وأمراء المقاطعات والبارونات وسلطات الكنيسة ذاتها، بقصد إغراقهم في الديون والمتاجرة بالعتاد، يضاف إلى ذلك تحقيق أهدافهم الاستراتيجية المتمثلة في إضعاف قوة الإسلام والمسيحية معاً ، لا سيما وأن (العهدة العمرية) التي أعطيت لنصارى القدس ، بناءً على طلبهم، " منعت أي تواجد لليهود في القدس ".
دحض المزاعم حول الاضطهاد الديني
وهكذا يتبين أن العوامل التي أفضت إلى قيام الحروب الصليبية متنوعة، ولا يمكن حصرها بالعامل الديني فحسب، ما يو دحض تلك الافتراءات المزعومة حول الاضطهاد الديني الذي تعرَّض له (النصارى) أثناء زياراتهم للأماكن المقدسة المسيحية في بيت المقدس وفلسطين بعامة، وقد جاء في كتاب " أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" لصاحبه المقدسي الذي عاش في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي، وصفاً لحال "أهل الذمة" في القدس بأنها: "كثيرة النصارى"، وفي مكان آخر يقول: " قد غلب عليها النصارى واليهود"، ما يدلل على أنهم كانوا معززين مكرَّمين . .
أما الرحَّالة الفارسي (ناصر خسرو / 453 هـ 1061م) وكان قد زار فلسطيين والقدس قبل الغزو والاحتلال الصليـبي لها بأربعين عاماً، فإنه قال: "إن الحجاج النصارى كان بوسعهم أن يدخلوا إلى الأماكن المقدسة بكامل حريتهم".
ولم يغفل الكتَّاب المحدثون أيضاً الإشارة إلى الامتيازات التي تمتع بها النصارى في فلسطين، فقد بيَّن الأستاذ (رئيف ميخائيل الساعاتي) في مقال نشره في مجلة (الراعي الصالح): "أن النصارى كانوا أخواناً للمسلمين في اللغة والوطنية، وأن خلفاء المسلمين كانوا يسندون الى أصحاب الكفايات والمؤهلات منهم الوظائف العالية ". وبيَّن أيضاً: "أن الاضطهادات التي أصابتهم في بعض الفترات المحدودة نسبياً ـ إزعاجات من بعض السلاجقة أو زمن الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي غريب الأطوار ـ تعود إلى انحراف بعض الحكام الذين لم ينج المسلمون أنفسهم من أذاهم وتعدياتهم"، كما أكد ذلك أيضاً الأستاذ "أمير سيد علي" في كتابه "مختصر تاريخ العرب والتمدن الإسلامي " ..
ولعل في ما كتبه وتنبه إليه الكتاب والمؤرخون الغربيون بهذا الشأن أقوى شاهد ودليل على بطلان مزاعم الاضطهاد الديني، فهذا الكاتب "جاي لي سترانج" يقول: "يجدر بنا أن نعترف أن المسيحيين لم يكونوا بمضطهدين ذلك الاضطهاد الذي اتخذوه سبباً لحملاتهم الصليبية"، ولا ريب أن أحداً لا يستطيع نكران فضل (العهدة العمرية) التي أعطاها الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب (18هـ) لدى فتح بيت المقدس للمسيحيين النصارى، والتي أرست لمن خلفه قواعد التعامل معهم في القدس وسائر الأمصار على أساس" الأمان لأنفسهم، وأموالهم وكنيستهم، وصلبانهم ... فلا تسكن كنائسهم، ولا تهدم، ولا ينتقص منها، ولا من حيزها، ولا من صلبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم".
ويذهب الباحث وليد الخالدي إلى أبعد من ذلك، حيث يرى أن الخلاف في العهود الإسلامية حول الأماكن المقدسة في القدس، لم يكن في الحقيقة خلافاً بين السلطة الحاكمة والجاليات المسيحية، ولا كان بين هذه السلطة والجالية اليهودية، بل كان بين الجاليات المسيحية ذاتها (الأرثوذكسية/الكنيسة الشرقية) و (اللاتينية/الكنيسة الغربية)، وكان دور السلطة الإسلامية الحاكمة طوال تلك القرون دور الحكم بين الكنائس المسيحية المتنازع على حقوقها في الأماكن المقدسة. وأدت السلطة الإسلامية دورها بالإشراف على نظام اصطلح على تسميته (الستاتيكون، الوضع الراهن) وهو عبارة عن مجموعة من الأعراف والتقاليد حول تلك الحقوق، تراكمت برضا واعتراف الكنائس المحلية والدول الأوروبية الراعية، أدارتها السلطة الإسلامية لضبط الخلاف حول الأماكن المقدسة المسيحية.
الأسباب المباشرة (الاستعدادات للحملة)
أما عن الأسباب المباشرة للحملات الصليبية، فهي إضافة إلى الثأر من الهزيمة في معركة (منازكرد)، ما أثاره (بطرس الناسك) الراهب الفرنسي الأصل، الذي جاء لزيارة "بيت المقدس"، وزعم أنه أسيئت معاملته مع غيره من الزوّار ، وفور عودته إلى بلاده، مر بروما وقابل البابا (أوربان الثاني ) ودعاه الى إنقاذ الأماكن المقدسة. ثم أخذ يجوب ألمانيا وفرنسا وبلجيكا محرضاً الجماهير في خطبه على الزحف لإنقاذ "قبر المسيح"، فكان لتلك الخطب النارية وتشجيع البابا لهذه الحركة أثر كبير في قلوب الناس.
وكانت أولى ثمار هذا التحرك انعقاد مؤتمر كليرمونت في تشرين الثاني 1095م برئاسة البابا، وكان له تأثير كبير في الدعوة للحروب الصليبية ورعايتها، فعمل على المقاربة وإزالة الخلاف بين الكنيستين الشرقية (البيزنطية) والغربية (اللاتينية)، إذ رفع قرار الحرمان الذي كان موقعاً من الإمبراطور البيزنطي. كما أعطى هذا البابا توجيهاته للأمراء ورجال الدين وكبار التجار الإيطاليين المشاركين في " مجمع كلير مونت "، بأن يحيك كل محارب صليباً من القماش الأحمر على ردائه الخارجي من ناحية الكتف، رمزاً للفكرة التي خرج ليحارب من أجلها، وكان قد تم تحديد سنة 1097م موعداً للحملة الصليبية الأولى.
$ جون سينا $ عضو نشـيط
عدد المساهمات : 1093 نقاط نشاط : 1109 السٌّمعَة : 0 العمر : 27
موضوع: رد: ܓܨ√₪ دوافع الحروب الصليبية وعوامل نجاحها ₪ √ܓܨ الأحد مارس 10, 2013 2:27 am