كسير القلب من وجهه نظر الطبّ

كسير القلب من وجهه نظر الطبّ

يشيع استخدام تعبير ( القلب المجروح ) أو( القلب المكسور) في الأدب العربي منذ القدم , فقد قال ابن المعتز يصف ما سبّب الفراق له :
ومتيم جرح الفراق فـــؤاده ************ فالدفع من أجفانه يتدفــق
بهرته ساعة فرقة فكأنمــــا ************في كل عضو منه قلب يخفق

و قال ذو الرقّة واصفا حال قلبه اثناء ذكّر اسم الحبيب:
إذا خطرت من ذكر حية خطر***********على القلب كادت في فؤادك تجرح

من دون سمّاعه للاصغاء , صوّر لنا هؤلاء الشعراء حال القلب في الحبّ والحزن والشوق أدقّ تصوير, فجّسو شغافه ورصدو اختلاجاته , لا يملكون من اداة الا احساسا ّ مرهفا وشعورا أرقّ من قبله عذراء.

الآن و بعد أن عبرنا من بوابه القرن الثالث , لا يزال القلب يجرح ويفجع ويكسر وتكتب فيه القصائد وتلحّن له اعذب الالحان وتصنع على شاكلته الهدايا و الحليّ وقد اقترنت مشاعر الأنسان بالقلب وحده دون بقيّه اعضاء الجسم منذ أن عرف الحبّ و الفرح والحزن.

ولكن هل طالت الحداثه مفهوم القلب الجريح كما طالت غيره, وما وجهه نظر الطبّ ؟ أما آن الأوان لنا , نحن معشر أطباء القلب , بكل ما توافرلدينا من وسائل تشخيص حديثه, أن نوضّح لابن المعتز ّوذو الرقّه وغيرهم كيف تنكسر القلوب فيزيولوجيا ..!

لفهم ذلك جيدا سوف ادعوكم عبر السطور القادمه الى رحله نستعرض فيها حاله حقيقيّه لسيّده اشرفت على علاجها منذ فتره قريبه, و عن طريق التصوير الرقمي للقلب بتكنولوجيا العصر سوف تتمكنون من رؤيه

" القلب المفجوع " بشكل لم يره احد من قبل.

المريضه سيّده امريكيّه في الستّينات من عمرها , تلقّت خبرا مفجعا سبب لها صدمه نفسيّه عميقه , وللحال شعرت بألم شديد في الصدر أوجّب نقلها الى المشفى بشكل اسعافيّ , لدى وصولها لغرفه الاسعاف, كان جهاز تخطيط القلب الكهربائي يشير بشكل لا يدعو للشك الى علامات احتشاء عضله قلبيه امامي واسع كما يبدوفي هذا التخطيط:




لعل من يلمّ بالطبّ يدرك أن تخطيط القلب المعروض هو علامه شؤم محقق , حتى ان بعض الأطباء يغالي و يصف هذه العلامه بشاهده القبرلتشابه الشكلين . فالقاعده انه متى شوهدت هذه العلامه في تخطيط ما فاعلم أن الموت قريب, وهي بالواقع دليل كهربائي على انسداد كامل في شريان رئيسي في القلب. بعد ظهورها , لدى المريض نافذه أقل من ساعه للتداخل عليه عن طريق القثطره لاعاده الترويه الى الشريان المسدود, فامّا أن ينجو او يهلك.

بدأ عقرب الوقت يلتهم الوقت المتبقى من الساعه الحرجه لتلك المريضه , ولكن في غضون دقائق كنا قد هرعنا بنقلها الى مخبر القثطره وتمكنّا من اقتناص أول صوره للشرايين الاكليليه بعد حوالي 30دقيقه من بدء الاعراض, وهو وقت قياسي نسبيا.......سار كل شيء على ما يرام ولكن سرعان ما بدت علامات الدهشه على أفراد طاقمنا الطبّي و بدأت العيون القلقه تختلس النظر الى بعضها من تحت القناع البلاستيكي... فالنتيجه كانت غير متوقعه...!!!

شرايين القلب كانت طبيعيه تماما و لم تظهر الصور اي انسداد أو تضيّق قد يفسر تغيّرات تخطيط القلب التي استمرت منذره بالشؤم ...استمر الوضع على حاله وعلامه استفهام تحوم حولنا كذبابه مزعجه لا نعرف سبيلا لاسكاتها حتى اقتربنا من الحصول على الصوره النهائيّه , وهي الصوره والتي تبيّن قوه انقباض القلب بعد حقن الماده الظليله في البطين الايسر...

صوره واحده كافيه لتبوح بالتشخيص و تجعلنا نتنفس الصعداء و ننزع الاقنعه وكأن سحابه داكنه قد انجلت لتفسح الطريق لشمس نيسان, فقد اباحت تلك الصوره بذلك الشكل الفريد من نوعه والذي يصور تماما كيف ينقبض وينبسط القلب " المفجوع". وهي حاله مؤقته سليمه العواقب تدوم لساعات فقط وتزول بزوال الشده النفسيّه.

( اعتلال قمه القلب البالوني المؤقت ) (Transient apical ballooning of the left ventricle )

واول من وصفها هم اطباء يابانيون سموها اعتلال قلب( تاكاتسوبو) و التاكاتسوبو هو وعاء ذو عنق ضيق يستعمل لصيد الاخطبوط , سبب التسميه هو التشابه بين شكل القلب ائناء الاعتلال و بين هذا الوعاء.



المحيّر في الموضوع ان هذه الاعتلال يقلد احتشاء القلب تماما في نتيجه تخطيط القلب مما يتطلب اجراء القثطره السريعه لجميع هؤلاء المرضى. الاعتلال القمي البالوني مؤقت ويستعيد القلب عافيته و تقلصه الطبيعي بعد بضعه ايام و يشفى المريض تلقائيا من دون اي اختلاطات. التشخيص يتم عن طريق اثبات ان الشرايين الاكليليه خاليه من اي انسداد و بالشكل البالوني المميز للقلب.

اما المريضه بطله القصه , فقد تعافت تماما في ثلاثه ايام , و تصويرالقلب عن طريق امواج فوق الصوت بيّن عوده انقباض القلب الى حالته الطبيعيه في فتره اقل من 24 ساعه.

اجريت بعض الدراسات لتحديد فيزيولوجيه انقباض القلب بهذا الشكل و التعليل الاقرب الى الصحه ان هرمونات الشده ( الكاتيكولامينات) التى تتحرر اثناء الانفعال تسبب اضطرابا مؤقتا وكسلا اصطفائيا في عمل عضله القلب , بحيث تكون الالياف العضليه في منتصف وقمّه القلب اكثر حساسيه لها, بينما تكون قاعده القلب اكثر مقاومه, و هذا ما يسبب هذه الشكل البالوني اثناء التقلص حيث تتقلص القاعده بشكل طبيعي بينما تتمدد القمه كذروه البالون.



دمتم بود
،،

موضوع رائع بوركت