الحمد لله الذي قصم بالموت رقاب الجبابرة و كسر به ظهور الأكاسرة و قصر به آمال القياصرة الذين لم تزل قلوبهم عن ذكر الموت نافرة حتى جاءهم الوعد الحق فأرداهم في الحافرة فنقلوا من القصور إلى القبور و من أنس العشرة إلى وحشة الوحدة و من المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل فانظر هل وجدوا من الموت حصنا
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد ابن عبد الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إني وجدت الأمور التي اختص بها الإنسان من بين سائر الحيوانات أربعة أشياء وهي جماع ما في العالم وهي الحكمة والعفة والعقل والعدل.والعلم والأدب والروية داخلةٌ في باب الحكمة والحلم والصبر والوقار داخلةٌ في باب العقل والحياء والكرم والصيانة والأنفة داخلةٌ في باب العفة والصدق والإحسان والمراقبة وحسن الخلق داخلةٌ في باب العدل وهذه هي المحاسن وأضدادها هي المساوئ فمتى كملت هذه في واحدٍ لم تخرجه الزيادة في نعمةٍ إلى سوء الحظ من دنياه ولا إلى نقصٍ في عقباه ولم يتأسف على ما لم يعن التوفيق ببقائه ولم يحزنه ما تجري به المقادير في ملكه ولم يدهش عند مكروهٍ فالحكمة كنز لا يفنى على إنفاقٍ وذخيرةٌ لا يضرب لها بالإملاق وحلة لا تخلق جدها ولذةٌ لا تنصرم مدتها ولئن كنت عند مقامي بين يدي الملك أمسكت عن ابتدائه بالكلام وإن ذلك لم يكن مني إلا لهيبته والإجلال له ولعمري إن الملوك لأهلٌ أن يهابوا لا سيما من هو في المنزلة التي جل فيها الملك عن منازل الملوك قبله وقد قالت العلماء الزم السكوت فإن فيه سلامةً وتجنب الكلام الفارغ فإن عاقبته الندامة وحكي أن أربعةً من العلماء ضمهم مجلس الملك فقال لهم ليتكلم كل بكلام يكون أصلاً للأدب فقال أحدهم أفضل خلة العلم السكوت وقال الثاني إن من انفع الأشياء للإنسان أن يعرف قدر منزلته من عقله وقال الثالث أنفع الأشياء للإنسان ألا يتكلم بما لا يعنيه وقال الرابع أروح الأمور على الإنسان التسليم للمقادير